فضاؤك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاؤك

خاص لكل القانونيين من طلاب اساس المستقبل و ممتهنيين اساس الدولة و النظام في المجتمع
 
البوابةالرئيسيةالتسجيلدخولأحدث الصور

 

 المسؤولية المدنية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin
Admin
admin


عدد المساهمات : 504
تاريخ التسجيل : 06/07/2010

المسؤولية المدنية Empty
مُساهمةموضوع: المسؤولية المدنية   المسؤولية المدنية I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 07, 2010 11:07 pm

مقدمــة

يتحلل الالتزام القانوني إلى عنصرين : عنصر المديونية وعنصر المسؤولية ، فعنصر المديونية يعني وجود دين في ذمة الغير و يتميز بأنه لا يسقط بالتقادم أبدا مهما طال الزمن . أما عنصر المسؤولية فهو وسيلة الإجبار التي منحها القانون للدائن لاستيفاء حقه من المدين و هي الدعوى القضائية. فإذا لم يف المدين بالتزامه طواعية و اختيارا فلا ملاذ للدائن إلا اللجوء للقضاء لإشباع حاجته من الحماية القانونية و المطالبة بحقه بإصدار أحكام تقرره أو تنشئه أو تلزم به.

لكن الحماية القضائية وحدها لا تكفي فقد يتعنت المدين و يصر على عدم الوفاء،و من هنا كانت الحاجة إلى الحماية التنفيذية ة التي تتحقق بانعقاد الخصومة التنفيذية .فإذا كان سبب الدعوى القضائية بداية هو الاعتداء على الحق و الهدف منها هو تقرير هذا الحق بإزالة الشك و اللبس عنه فإن سبب الخصومة التنفيذية هو امتناع المدين عن التنفيذ و الغاية منها هو إجبار المدين على الوفاء و هوما يطلق عليه التنفيذ الجبري . ولذا فإن الرجوع إلى القضاء للمطالبة بالتنفيذ لا يعد مساس بمبدأ حجية الشيء المقضي فيه.

و تتفرع طرق التنفيذ الجبري إلى طريقين : طريق التنفيذ العيني و هو الأصل ، ويعني أن يقوم المدين بعين ما التزم به بالتنفيذ المباشر ، أما إذا استحال تنفيذ هذا الالتزام فلا مناص للدائن من أن يسلك طريق التنفيذ بمقابل ،و هو ما يطلق عليه أيضا التنفيذ غير المباشر.

و لأن التنفيذ العيني هو ما يسعى إليه الدائن بداية ، فإن المشرع تدخل و سن و سائل قانونية لحمل المدين على التنفيذ جبرا و هي الإكراه البدني و الغرامة التهديدية ،و إذا كان الإكراه قد انحصر الأخذ به إلا في مجال الأحكام الجزائية فإن الغرامة التهديدية التي تجد مجالا واسعا في التنفيذ ، و التي تعد من أقدم النظريات القانونية التي يرجع أصلها للقضاء الفرنسي ، حيث يعود تاريخ أول حكم قضى بها إلى سنة 1834.و قد تدخل المشرع الفرنسي و نظم أحكامها سنة 1972 بموجب القانون 626/72 المؤرخ في :05/07/1972 .و مع ذلك كان المشرع الجزائري الأسبق في تنظيمها إذ نص عليها في قانون الإجراءات المدنية الصادر بتاريخ 1966 في المادتين: 340،471 منه ،ثم من خلال القانون المدني الصادر بتاريخ : 26/09/1975 مقتبسا أحكامها من القانون المصري .

و نظرا لأهمية الموضوع ـ ارتأيت إتباع أسلوب تحليلي في دراستي له و ذلك بتحليل المواد القانونية التي تناولته على ضوء الاجتهاد القضائي الجزائري مع اللجوء أحيانا إلى أسلوب مقارن كلما دعت إليه الضرورة ، و من أجل الإلمام بالموضوع ارتأينا طرح عدة إشكالات قانونية أهمها :

ما هي طبيعة الغرامة التهديدية ؟ .
ما هو مجال تطبيقها ؟ و ما هي الجهة القضائية المختصة بإصدارها ؟.
كيف يتم تقديرها و تصفيتها ؟.
و للإجابة على هذه الإشكالات و غيرها، تطرقنا إلى الموضوع من خلال فصلين:

الفصل الأول : نتناول فيه ماهية الغرامة التهديدية و ذلك من خلال تعريفها و إبراز أهم شروطها في المبحث الأول ثم نتطرق إلى أهم خصائصها و طبيعتها القانونية في مبحث ثاني.
الفصل الثاني : نتناول فيه أحكام دعوى الغرامة التهديدية و ذلك بتحديد الجهة القضائية المختصة بتوقيعها في مبحث أول ثم نتناول موضوع دعوى الغرامة التهديدية ابتداء من دعوى توقيع الغرامة و سلطة القاضي في ذلك و كذا تصفيتها و مراجعتها في مبحث ثاني .



تمثل الغرامة التهديدية إحدى النظريات التي كان القضاء وراء نشأتها، ثم تناولها الفقه بالتحليل والدراسة ما بين رافض ومؤيد، ولم يستقر الأمر إلا بعد أن نظمها المشرع ونص عليها صراحة، وقد كان المشرع المصري سباقا في هذا المجال، وتلاه المشرع الفرنسي والمشرع الجزائري، مما جعلها تستقل بأحكام تتميز بها كإحدى نظريات تنفيذ الأحكام القضائية، ومع ذلك لا زالت محل جدل في الفقه والقضاء،ومرد ذلك أنها لا تمثل في أساسها إلا تقنية أو حيلة ابتكرها القضاء لتنفيذ أحكامه دون أن يستند في ذلك إلى مبدأ نظري يكفل الوضوح والانسجام بين مختلف أحكامها، وهو ما يفرض - من خلال هذا الفصل- رسم الإطار العام لها وذلك بتحديد مفهومها بدقة)المبحث الأول( وإبراز شروطها و خصائصها ومن ثمة تحديد طبيعتها القانونية)المبحث الثاني.(





المبحث الأول

مفهوم الغرامة التهديدية

إن مفهوم الغرامة التهديدية لا يتحدد بتعريفها فقط، إنما ينبغي للإلمام بجوهرها معرفة الأساس القانوني لها، و شروط الحكم بها لتحديد دائرة استعمالها بدقة، و لذا نتطرق في هذا المبحث إلى تعريف الغرامة التهديدية)المطلب الأول( و عرض شروطها)المطلب الثاني( المطلب الأول

تعريف الغرامة التهديدية

يعرف الفقه الغرامة التهديدية بأنها ( ) وسيلة لإكراه المدين و حمله على تنفيذ الالتزام الواقع على عاتقه عينا متى طلبها الدائن، و صورتها أن يلزم القضاء المدين بتنفيذ التزام بعمل أو امتناع عن عمل أيا كان مصدره و يمهله لذلك مدة زمنية فإذا تأخر عن الوفاء ألزمه بدفع غرامة عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أي وحدة زمنية يعينها، و ذلك متى كان التنفيذ العيني مازال ممكنا و يقتضي لذلك تدخل المدين شخصيا.

و يجوز الحكم بالغرامة التهديدية ضد أي شخص سواء كان طبيعيا أو معنويا عاما أو خاصا، و إن كان الحكم على الشخص المعنوي العام بالتنفيذ تحت طائلة غرامة تهديدية يثير جدلا فقهيا، و لم يحدد المشرع الجزائري حتى الآن موقفه منه في انتظار ما سوف يسفر عنه مشروع تعديل قانون الإجراءات المدنية، كما لم يستقر حوله الاجتهاد القضائي الجزائري إلى حد الساعة، و هو ما سوف نتناوله بالتفصيل في الفصل الثاني من هذا المبحث.

و تستمد الغرامة التهديدية شرعيتها من القانون، إلا أنه وقبل تنظيمها من المشرع حاول بعض الفقه إيجاد تبرير لها، ولعل أهم هذه التبريرات تبرير الأستاذ اسمان الذي أسس الحكم بها على المادة 1036 من القانون المدني الفرنسي، التي تمنح القاضي سلطة الفصل في الخصومة و سلطة إصدار الأوامر حسب مقتضيات الأحوال ليضمن تنفيذ أحكامه. غير أن هذا التبرير لم يسلم من النقد، حيث وجهت له العديد من الانتقادات، أهمها أن السلطات المخولة للقاضي بموجب المادة 1036 تقتصر على تسيير و إدارة الجلسة و لا تتعداها في كل حال إلى ضمان تنفيذ الأحكام ( ) كما أن المادة 1124 تمنع القاضي من إصدار أي تهديدات مالية و التي جاء فيها: (كل التزام بعمل أو بامتناع عن عمل يتحول إلى تعويض في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه.. (( ).

كل هذه الانتقادات دفعت بالمشرع الفرنسي إلى التدخل لتنظيم الغرامة التهديدية و ذلك من خلال القانون 72-626 المؤرخ في 05/07/1972. أما المشرع الجزائري وتفاديا لهذا الجدل نص صراحة على الغرامة التهديدية التي اقتبس أحكامها عن المشرع المصري، وذلك من خلال عدة نصوص بداية من القانون المدني، و قانون الإجراءات المدنية، و كذا في بعض القوانين الخاصة، مثل قانون تسوية المنازعات الفردية للعمل 90/04 المؤرخ في 16/02/1990. فالقانون المدني نص عليها في الباب الثاني من الفصل الأول، تحت عنوان التنفيذ العيني في المادتين 174 و 175، حيث تنص المادة 174 منهSad إذ كان تنفيذ الالتـزام العيني غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين بنفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ و بدفع غرامة إجبارية إذ امتنع عن ذلك) وتنص المادة 175 منهSad إذا تم التنفيذ العيني و أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين ) كما نص المشرع الجزائري على الغرامة التهديدية من خلال المادة 340 من قانون الإجراءات المدنية، و الواردة في الباب الثالث المعنون بالتنفيذ الجبري لأحكام المحاكم والمجالس القضائية و العقود الرسمية والتي جاء فيها: (إذا رفض المدين تنفيذ التزام بعمل أو خالف التزام بالامتناع عن عمل يثبت القائم بالتنفيذ ذلك في محضر ويحيل صاحب المصلحة إلى المحكمة للمطالبة للتعويضات أو التهديدات المالية ما لم يكن قد قضى بالتهديدات المالية من قبل) و إضافة إلى ذلك، فقد أورد المشرع نصا خاصا بالجهات المختصة بإصدار الغرامات التهديدية و تصفيتها، و هو نص المادة 471 من قانون الإجراءات والمدنية جاء فيه: (يجوز للجهات القضائية بناءا على طلبات الخصوم أن تصدر أحكاما بتهديدات مالية في حدود اختصاصها و عليها بعد ذلك مراجعتها و تصفيتها و يجوز لقاضي الأمور المستعجلة بناءا على طلبات الخصوم أن يصدر أحكاما بتهديدات مالية و هذه التهديدات يجب مراجعتها و تصفيتها بمعرفة الجهة القضائية المختصة )

و إلى جانب هذه النصوص العامة خص المشرع الجزائري الغرامة التهديدية في المواد الاجتماعية بأحكام خاصة، و ذلك من خلال المواد 33، 34، 35و39 من القانون 90/04 المتعلق بتسوية المنازعات الفردية للعمل المؤرخ في 06/02/1990، والمتعلقة بتنفيذ اتفاقات المصالحة بين العامل و رب العمل، و الأحكام الاجتماعية، و التي نتناولها بمزيد من التفصيل في الفصل الثاني في هذا البحث و المتعلق بأحكام دعوى الغرامة التهديدية.

المطلب الثاني

شروط الحكم بالغرامة التهديدية

يتحدد نطاق الغرامة التهديدية كوسيلة للتنفيذ العيني من خلال مجموعة من الشروط عددها المشرع من خلال المادة 174 من القانون المدني و المادة 340 من قانون الإجراءات المدنية، ومن خلال هاتين المادتين نستنتج أنه لا يمكن الحكم بالغرامة التهديدية إلا بتوافر شروط ثلاثة تتمثل في امتناع المدين عن التنفيذ عينا رغم أنه مازال ممكنا)الفرع الأول( وأن يقتضي التنفيذ العيني تدخل المدين شخصيا و إلا كان مستحيلا)الفرع الثاني( وأن يطالب الدائن توقيع الغرامة التهديدية)الفرع الثالث(




الفرع الأول

امتناع المدين عن التنفيذ رغم أنه مزال ممكنا

إن توافر هذا الشرط رهين بتوافر عنصرين هامين، أن يمتنع المدين عن تنفيذ التزامه )أولا( وأن يكون التنفيذ العيني مازال ممكنا)ثانيا(

أولا: امتناع المدين عن تنفيذ التزامه:

لا يجوز الحكم بالغرامة التهديدية على المدين إلا إذا أثبت الدائن امتناعه عن تنفيذ الالتزام الواقع على عاتقه، و هذا يقتضي أن يكون بيده سندا تنفيذيا يثبت التزام المدين، وأن يسعى إلى تنفيذه، فإذا امتنع يثبت القائم على التنفيذ ذلك في محضر رسمي، و من ثم يرفع صاحب المصلحة الأمر إلى الجهة القضائية المختصة في نظر النزاع الأصلي للمطالبة بتهديدالمدين ماليا، لإجباره على التنفيذ العيني، أما إذا امتثل للتنفيذ بداية فلا محل للحكم بالغرامة التهديدية.

والملاحظة أن المادة 340 من قانون إجراءات المدنية المذكورة أعلاه تحدد مجال هذه الالتزامات، بالالتزام بعمل أو الامتناع عن عمل حيث تنص: ( إذا رفض المدين تنفيذ التزام بعمل أو خالف التزام بالامتناع عن عمل...) وفي كل الأحوال تستبعد الالتزامات الطبيعية من دائرة التنفيذ الجبري ذلك أنها لا تتمتع بالحماية القانونية، إذ تنص المادة 160/2 من القانون المدنيSadالمدين ملزم بتنفيذ ما تعهد به، غير أنه لا يجبر على التنفيذ إذا كان الالتزام طبيعيا إلا إذا اختلف الدائن والمدين حول طبيعة هذا الالتزام فللقاضي سلطة تقـديـرية في تحديد طبيعـته) وهو ما أشـارت إليه المادة 161 من القانون المدني: ( يقدر القاضي عند غياب النص ما إذا كان هنالك التزام طبيعي وعلى أي حال لا يجوز أن يخالف الالتزام الطبيعي النظام العام)( ).

ولا شك أن أثر الالتزام الطبيعي لا يكون إلا عند الوفاء الاختياري( ) وفي هده الحالة يجب أن يكون المدين على علم بأنه يفي بالتزام طبيعي، وعندها لا يجوز له الرجوع عن التنفيذ وإلا أجبر على ذلك.

ثانيا: أن يكون التنفيذ العيني مازال ممكنا:

هذا الشرط يستخلص من نص المادة 164 من القانون المدني: ( يجبر المدين بعد أعذاره طبقا للمادتين 180 و 181 على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا ) كما يستخلص ذلك أيضا من أحكام المادة 174 من القانون المدني: (إذا كان تنفيذ الالتزام عينيا غير ممكن أو غير ملائم...).

فالحكم بالغرامة التهديدية أساسا يستدعي أن يكون التنفيذ العيني مازال ممكنا، فإذا استحال التنفيذ سواء رجعت هذه الاستحالة لسبب أجنبي كهلاك الشيء محل الالتزام، أو لخطأ المدين كأن يتصرف في العين المبيعة إلى مشتر ثان، أو لفوات ميعاد التنفيذ المتفق عليه، ففي كل هـذه الحالات لم تعـد هناك جدوى للتهــديد المالي، ولا يبقى أمام الدائن إلا المطالبة بالتعويض ( ).

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ضرورة التمييز بين التنفيذ العيني الذي يعتبر طريقا من طرق التنفيذ الجبري، والتعويض العيني خصوصا في مجال الالتزام بعمل و الالتزام بالامتناع عن عمل، حيث يغلب اعتبارهما مفهوما واحدا يساوي الوفاء بالالتزام عينا في حين أنهما يختلفان، فالتنفيذ العيني هو قيام المدين بعين ما التزم به، أما التعويض العيني فيكون في حالة عدم إمكانية التنفيذ حيث يقدم المدين بديل عن التزامه الأصلي( )، وتظهر هذه التفرقة في حالة شخص يضع وديعة عند آخرفاذا ضاع هذا الشيء فلا يمكن أن يجبر المالك المودع لديه بأن يرد الشيء نفسه، فالتنفيذ العيني استحال ولكن يستطيع أن يطالب بشيء من النوع نفسه وهو التعويض العيني، و الأ صل أنه لا يمكن الجمع بينهما فلا يجوز أن يطالب الدائن بالتعويض العيني و التنفيذ العيني معا إذ لا يكون الأول إلا عند استحالة الثاني، ويبقى التنفيذ العيني هو مجال إعمال الغرامة التهديدية، و مع ذلك فقد يجمع القاضي بينهما في حكم واحد كأن يأمر بوقف البناء و عدم تعلية الحائط كون ذلك من شأنه أن يحجب الهواء و النور عن الجار، فإذا خالف المحكوم عليه هذا الأمر فالدائن يمكنه الرجوع إلى القضاء للمطالبة بإزالة المخالفة و هو التعويض العيني، كما يحق له المطالبة بإلزام الجار بعدم معاودة البناء تحت طائلة غرامة تهديدية و هو التنفيذ العيني.

الفرع الثاني

تدخل المدين ضروري و إلا كان التنفيذ مستحيلا

وهو الشرط الثاني الذي لابد من توافره للحكم بالغرامة التهديدية، و مفاده أن التنفيذ يستحيل إلا إذا تدخل المدين شخصيا، و هذا يتحدد بحسب طبيعة الالتزام و مداه، و الوسائل المادية اللازمة لهذا التنفيذ ( )، و لمعرفة متى يقتضي التنفيذ تدخل المدين شخصيا لابد من التمييز بين أنواع الالتزام، ذلك أن هناك منها ما لا تحتاج إلى تدخله، كالالتزام بنقل ملكية أو حق عيني آخر)أولا( والالتزام بدفع مبلغ مالي) ثانيا( ومنها ما قد يحتاج إلى تدخله كالالتزام بالامتناع عن عمل) ثالثا( والالتزام بعمل )رابعا(

أولا: في مجال الالتزام بنقل ملكية أو حق عيني آخر:

تنص المادة 165 من القانون المدني: ( الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر من شأنه أن ينقل بحكم القانون الملكية أو الحق العيني إذا كان محل الالتزام شيئا معينا بالذات يملكه الملتزم و ذلك مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالإشهار العقاري...)

و يستفاد من هذا النص أن حق الملكية أو أي حق عيني آخر كحق الانتفاع أو الإرتفاق أو الرهن، تنتقل إلى الدائن بحكم القانون و لا تتطلب قيام المدين بأي عمل، هذا متى كان الحق معينا بالذات، أما إذا كان الحق العيني معينا بالنوع فإن المادة 166 تنص على: (إذا ورد الالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا بنوعه فلا ينتقل الحق إلا بإفراز هذا الشيء فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين بعد استئذان القاضي ).

فالالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر سواء كان واردا على عقار أو منقول، و سواء كان معينا بذاته أو مقداره أو نوعه، يمكن تنفيذه دون حاجة إلى تدخل المدين، لذا تستبعد هذه الالتزامات من دائرة الغرامة التهديدية.

ثانيا: في مجال الالتزام بدفع مبلغ مالي:

إذا كان الالتزام هو تقديم مبلغ من النقود فإن التنفيذ العيني ممكن دون تدخل المدين، إذ يستطيع الدائن اللجوء مباشرة إلى طريق الحجز على أمواله، ولذا يكون الحكم بالغرامة التهديدية في هذه الحالة فيه تعقيد للإجراءات و إطالة لها دون جدوى، إلا أن هناك جانبا من الفقه يجيز الحكم بها في هذه الحالة بحجة أن التنفيذ الجبري فيه إطالة للوقت، كما أنه يحمل الدائن مصاريف يكون في غنى عنها إذا لجأ إلى التهديد المالي أولا.

ثالثا: في مجال الالتزام بالامتناع عن عمل:

يكون التنفيذ العيني لمثل هذه الالتزامات باتخاذ موقفا سلبيا من المدين، وقد أجاز المشرع الجزائري اللجوء إلى التهديد المالي لحمل المدين على تنفيذ هذه الالتزامات عينيا متى كان تدخله ضروريا، وذلك من خلال المادة 340 من قانون إجراءات المدنية.

إلا أن الغرامة التهديدية كوسيلة للتنفيذ تفقد أهميتها أحيانا في هذا النوع من الالتزامات خاصة إذا كان الإخلال بالالتزام من شأنه أن يجعل التنفيذ العيني مستحيلا، فإفشاء الطبيب أو المحامي لسر المهنة يجعل التنفيذ مستحيلا، ولا يبقى أمام الدائن سوى المطالبة بالتعويض النقدي.

وأحيانا إذا خالف المدين التزامه يستطيع الدائن المطالبة بالتعويض العيني، والمتمثل في إزالة المخالفة على نفقة المدين، كما تنص على ذلك المادة 173 من القانون المدني: ( إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام جاز للدائن أن يطالب إزالة ما وقع مخالفا للإلزام ويمكنه أن يحصل من القضاء على ترخيص للقيام بهذه الإزالة على نفقة المدين ) وتجدر الإشارة أن التعويض العيني في هذه الحالة يختلف عن التنفيذ العيني، فالأول يكون بعد القيام بالمخالفة،إذ تكون إزالة المخالفة هي التعويض العيني، أما التنفيذ العيني فيكون قبل الإخلال بالالتزام.

و يتسع مجال الغرامة التهديدية كلما كان الامتناع يتطلب التكرار، فالقاضي في هذه الحالة يأمر باتخاذ إجراءات احتياطية لمنع تكرار الإخلال بالالتزام − قد تكون الغرامة التهديدية− و ذلك بغرض التنفيذ العيني في المستقبل.( ) ويستطيع القاضي أن يأمر بهما معا أي أن يأمر بالتعويض العيني بإزالة المخالفة وفي نفس الوقت بالتنفيذ العيني تحت طائلة غرامة تهديدية .

رابعا: في مجال الالتزام بعمل:

يكون التنفيذ العيني بالنسبة لهذا النوع من الالتزام بقيام المدين بنفس العمل الذي تعهد القيام به، ومن هنا تبرز أهمية اللجوء إلى الغرامة التهديدية، إلا أنه ليست كل الالتزامات بعمل يمكن اللجوء لتنفيذها عن طريق الغرامة التهديدية، فهذه الأخيرة تفقد أهميتها أحيانا لأن هناك وسائل أكثر فعالية منها وذلك في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كان الدائن يستطيع التنفيذ على نفقة المدين:

وفي هذا الصدد تقرر المادة 170 من القانون المدني أنه في الالتزام بعمل إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يطلب ترخيصا من القاضي في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكنا، فإذا امتنع المدين عن التنفيذ كان للدائن أن يقوم به بواسطة شخص آخر، ومثال ذلك إذا تعهد المقاول بالبناء ثم امتنع عن ذلك جاز للدائن اللجوء إلى القضاء للتصريح له بالبناء على نفقة المقاول، وقد ذهبت المحكمة العليا في قرارها رقم 51553 الصادر بتاريخ 21/11/1987الى تأكيد ذلك بقولها:﴿من المقرر قانونا انه إذا ثبت أثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب أو مناف للعقد جاز لرب العمل إن يعدل عن طريقة التنفيذ خلال أجل معقول يعينه له فإذا انقضى الأجل دون أن يرجع المقاول إلى الطريقة الصحيحة جاز لرب العمل إن يطلب الفسخ وإما إن يعهد إلى مقاول أخر لإنجاز العمل على نفقة المقاول الأول ) ( ).

وهو ما ذهبت إليه المادة 17 من المرسوم التشريعي 93/03 المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري إذ تنص: ﴿كل تخلف أو عجز مادي من المتعامل في الترقية العقارية يثبته المحضر ثبوتا قانونيا ويظل مستمرا بالرغم من الإنذار يخول جماعة المالكين سلطة مواصلة إنجاز البناءات بجميع الوسائل القانونية على نفقة المتعامل المتخلف وبدلا عنه﴾

كما يجوز ذلك أيضا في حالة ما إذا لم يقم المؤجر بالإصلاحات الضرورية رغم إعذاره من المستأجر، إذ يجوز لهذا الأخير الحصول على ترخيص من القضاء لإجراء هذه الإصلاحات على نفقة المؤجر، وبالرجوع إلى نص المادة 480/2 فإنه يجوز للمستأجر دون حاجة إلى ترخيص من القضاء أن يقوم بإجراء الترميمات المستعجلة أو البسيطة على أن ينقص ما أنفقه من ثمن الإيجار وذلك إذا امتنع المؤجر على تنفيذها في الوقت المناسب، والأمثلة على ذلك كثيرة وكلها تخرج عن نطاق الغرامة التهديدية فالتنفيذ فيها لا يتوقف على تدخل المدين شخصيا.

الحالة الثانية: إذا كان الالتزام بعمل تسمح طبيعته بأن يكون الحكم بمثابة سند تنفيذي له:

وهو ما نصت عليه المادة 171 من القانون المدني: ( في الالتزام بعمل قد يكون حكم القاضي بمثابة سند التنفيذ إذا سمحت بهذا طبيعة الالتزام مع مراعاة المقتضيات القانونية والتنظيمية ).

ومثال ذلك الوعد بالتعاقد فإذا توفرت شروط العقد قام الحكم مقام العقد وتم التنفيذ بقوة القانون دون تدخل المدين، إذ تنص المادة 72 من القانون المدني: ( إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الآخر طالبا تنفيذ الوعد وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة قام الحكم مقام العقد).

وخارج هذه الحالات يبقى الالتزام بعمل الميدان الأوسع للغرامة التهديدية متى كان التنفيذ يستدعي تدخل المدين شخصيا، كما هو الشأن في الالتزام بتسليم وثائق لا يعلم مكانها إلا المدين أو لإجبار فنان على رسم اللوحة التي تعهد برسمها ( ).

ومع ذلك فهناك حالات ورغم توافر شروط الحكم بالغرامة التهديدية إلا أنه لا يجوز اللجوء إليها لأن التنفيذ العيني فيه مساس بشخصية المدين، كما لو تعهد المؤلف للناشر بأن يكتب له كتابا ثم تبين له فيما بعد أنه لا يملك القدرة اللازمة لإتمام هذا العمل فإن الناشر في هذه الحالة لا يملك أن يطلب توقيع غرامة تهديدية على الكاتب لإجباره على إتمام الكتاب، كما لا يملك الدائن أن يطالب المؤلف بتقديم العمل الفني الذي التزم به إذا كان ما أنتجه ليس جديرا بالنشر أو العرض. فهذا الشرط يحدد النطاق العملي لاستخدام الغرامة التهديدية، إذ لا يجوز للقاضي أن ينطق بها إلا متى ثبت له وجود التزام بعمل أو امتناع عن عمل،وكان تنفيذه غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين شخصيا، فهذا الشرط يضيق من مجال الالتزامات التي يمكن تنفيذها تحت طائلة غرامة تهديدية.

الفرع الثالث

أن يطالب الدائن بالغرامة تهديدية

تنص المادة 174: ( إذا كان تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ و بدفع غرامة إجبارية إذا امتنع ).

فالقارئ لهذا النص يلاحظ أن طلب الغرامة التهديدية رخصة من المشرع للدائن بدليل قوله – جاز للدائن - و من ثمة فلا يجوز للقاضي أن يحكم بها من تلقاء نفسه إلا متى طلبها الدائن و إن كان الأمر يختلف في القانون الفرنسي حيث أنه يجيز للقاضي النطق بها سواء في المواد المدنية أو الإدارية دون أن يطلبها الدائن و يترتب على ذلك أن للقاضي سلطة مطلقة تعفيه من تسبب حكم الإكراه المالي ( ).

ومعنى ذلك أن المشرع الجزائري جعل الغرامة التهديدية رخصة للدائن متى شاء استعملها، غير أن هذا رهين بتوافر الشرطين السابقين، و يبقى للقاضي سلطة تقديرية في إجابته لطلبه أو رفضه دون رقابة عليه من المحكمة العليا إلا إذا رفض الطلب لعدم توافر الشروط القانونية ففي هذه الحالة يخضع الحكم لرقابة المحكمة العليا كونها مسألة قانون.( ) و الجدير بالملاحظة أن طلب الدائن يجوز أن يقدمه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى و لو أمام المجلس القضائي أثناء خصومة الاستئناف، ولا يعتبر هذا طلبا جديدا، و هو ما سيتم تفصيله عند الحديث عن اختصاص جهات الاستئناف في إصدار أحكام أو قرارات بتهديدات مالية في الفصل الثاني من هذا البحث.

المبحث الثاني

مميزات وطبيعة الغرامة التهديدية

بعد استعراض تعريف الغرامة التهديدية و أساسها القانوني و شروطها، تبين لنا أنها تتميز بذاتيتها الخاصة، إذ تكشف عن الخصائص التي تتميز بها من جهة )المطلب الأول( وصولا إلى طبيعتها الخاصة )المطلب الثاني(

المطلب الأول

مميزات الغرامة التهديدية

تتميز الغرامة التهديدية بمجموعة من الخصائص تتمثل في أنها حكم تهديدي يتحقق بالمبالغة في تقديرها لحمل المدين على التنفيذ)الفرع الأول( كما أنا أمر مؤقت لا يمكن تنفيذه إلا بعد تصفيتها وتحويلها إلى تعويض) الفرع الثاني( و هي أخيرا أمر تحكمي للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تحديد مقداره و رفعه للحد الذي يحقق به الغاية منها )الفرع الثالث(

الفرع الأول

الغرامة التهديدية ذات طابع تهديدي

يعتـبر الطابع التهـديــدي أهـم ميـزة في الغرامة التهـديـدية، و على حد تعــبير الأسـتاذ يوري ( الطابع التهديدي هو جوهر نظام الغرامة التهديدية نفسها...)

و تبرز هذه الخاصية في المبالغة في تقدير مبلغ الغرامة، و ما يحققه ذلك من انزعاج لدى المدين عندما لا يعرف على وجه الدقة المبلغ الذي سيحكم به عليه في حال تعنته، فالخشية من تراكم مبلغ الغرامة قد يدفع المدين إلى التنفيذ العيني، خاصة وان للقاضي سلطة واسعة في الزيادة في قيمة الغرامة التهديدية بما يجعلها تتناسب و الغاية منها، و هو ما جاء في نص المادة 174/2 من القانون المدني: (إذا رأي القاضي أن مقدار الغرامة غير كاف لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعيا للزيادة) كما يظهر الطابع التهديدي أيضا، في كون الغرامة لا تحدد مرة واحدة بل تحدد عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أي وحدة زمنية أخرى، فكلما تأخر المدين في تنفيذ التزامه ارتفعت و تراكمت و في هذا أيضا نوعا من الضغط عليه قد يجعله يسارع إلى التنفيذ( ).

الفرع الثاني

الغرامة التهديدية ذات طابع مؤقت

تنص المادة 174/02 : ( إذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة غير كاف لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داع للزيادة) و تضيف المادة 175 من القانون المدني: ( إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين)

و من خلال استقراء هذين النصين نلاحظ أن القاضي ومن أجل تفعيل و تحقيق الغاية من التهـديـد المالي يمكنه الرفع من قيمة الغرامة، فإذا لم تجد نفعا و استمر المدين في عناده و تعنته يحكم بتصفية الغرامة و بتحويلها إلى تعويض نهائي.

و هذا يعني أن الحكم بتوقيع الغرامة التهديدية أمر مؤقت لا يحوز حجية الحكم المقضي فيه مادام أنه لا يتطرق إلى حسم النزاع الأصلي، فهو حكم غير قطعي الهدف منه هو ضمان تنفيذ الحكم الأصلي.

و في هذا الصدد اعتبرت بعض الجهات القضائية في فرنسا أن الحكم بتوقيع غرامة تهـديــدية ليس حكما قطعـيا بل هو حكم تمهـيدي يتطلب المراجعة من القاضي و التصفية، و هو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية، و سار معه جانب كبير من الفقه مدعمين هذا الرأي بمجموعة من الحجج أهمها:

أن القاضي يقضي بالغرامة التهديدية كي يضمن تنفيذ الحكم، و عندما يراجع أو يصفي هذه الغرامة فيما بعد لا يعيد التطرق إلى أصل النزاع الذي حاز حجية الشيء المقضي فيه، و هو ما يفرض التفرقة بين الأوامر الوقتية كالأوامر الإستعجالية المنصوص عليها في القانون و التي تكون قابلة للتنفيذ الجبري بمجرد صدورها رغم قابلتها الطعن بالاستئناف،
و بين الحكم بالغرامة التهديدية الذي يعد وسيلة لحمل المدين على التنفيذ و لا يمكن التنـفيذ بموجـبه إلا بعد التصفية و تحويله إلى تعويض نهائي أمام قاضي الموضوع، و يترتب على هذا أيضا أنه لا يجوز الحجز بمقتضى الحكم بالغرامة التهديدية كونه لا يتوفر على الشروط اللازمة فهو غير محدد المقدار وغير محقق الوجود.

غير أن هناك رأيا آخر من الفقه و هو رأي ضعيف يرى أنه يمكن الحجز بموجب حكم بالغرامة التهديدية مستندا إلى أن حرمان الدائن من التنفيذ بموجب هذا الحكم قد يؤدي إلى التقليل من أهمية هذه الوسيلة الهامة في التنفيذ، لذا يرى هذا الاتجاه أن الدائن يمكن له التنفيذ بموجبه، فإذا ألغى القاضي هذا الحكم أو أنقص منه فإن المدين يمكن له أن يطالب الدائن بإعادة ما حصل عليه على أساس دفع غير المستحق.

و بالرجوع إلى القانون الجزائري و باستقراء نص المادة 327 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية فإن شروط توقيع الحجز التنفيذي هي:

وجود دين محدد المقدار.
حال الأداء.
محقق الوجود.
و بإسـقاط هده الشـروط على الحكم القاضي بتوقـيع غرامة تهديدية نلاحظ أنها لا تنطق عليه، فهذا الحكم لا يتضمن حقا محقق الوجود و لو كان صادرا عن آخر درجة( ) و لا تكون كذلك إلا بعد تصفية الغرامة و مراجعتها، و قبل ذلك يبقى الحق محتملا إذ قد تعدل عنه المحكمة إذا التزم المدين و قام بالتنفيذ عينا، و منه فالقضاء الجزائري يساير القضاء الفرنسي و المصري في هذا الشأن، و يرفض الحجز على أموال المدين بموجب أحكام بتوقيع الغرامة التهديدية.

الفرع الثالث

الغرامة التهديدية ذات طابع تحكمي

تظهر هذه الخاصية من خلال سلطة القاضي التقديرية في تحديد قيمة الغرامة التهديدية، و بدأ سريانها، فالقاضي غير ملزم بتسبيب حكمه و توضيح الأسس التي اعتمدها في تقرير قيمة الغرامة، و ليس له مقياسا أو معيارا يعتمد عليه إلا القدر اللازم لتحقيق الغاية منها و هي الضغط على المدين و حمله على تنفيذه التزامه عينا.

فلا يشترط فيها مثلا أن تكون مقاربة للضرر بل قد لا يشترط وجود الضرر أصلا، فهي وسيلة للتنفيذ و ليست تعويضا، و تستشف هذه الميزة أكثر من خلال الفقرة الثانية من المادة 174 من القانون المدني والتي تجيز للقاضي الرفع من قيمة الغرامة للضغط عن المدين أكثر. و حقيقة تتجرد الغرامة التهديدية من قيمتها العملية إذا لم تكن للقاضي سلطة تحكمية في تحديدها.





المطلب الثاني

طبيعة الغرامة التهديدية

على اعتبار أن الغرامة التهديدية بداية تمثل أمرا يوجهه القاضي للمدين للضغط عليه حمله على التنفيذ خلال مدة معينة فإن الفقه والقضاء يتفقان على طبيعتها في هذه المرحلة على أنها وسيلة تنفيذ لا غير، إلا أن الخلاف كان حول طبيعة الغرامة التهديدية بعد تصفيتها فهل هذه المبالغ المصفاة هي تعويض أم عقوبة أم لها طبيعة خاصة؟ وما هو موقف المشرع الجزائري ؟

ولذا نحاول عرض أهم النظريات في الموضوع والنقد الموجه لها، والتي تتمثل في نظرية التعويض )الفرع الأول( ونظرية العقوبة )الفرع الثاني( مع استبيان موقف المشرع الجزائري منها

الفرع الأول

نــظــــــريــة الـتـعــــــويـض

يرى أنصار هذه النظرية أن مبالغ الغرامة التهديدية بعد تصفيتها تتحول إلى تعويض( ) سواء تعويضا عن عدم التنفيذ، أو التأخر فيه، وهو رأي القضاء الفرنسي قبل حكم محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في20/10/1959، والذي عدلت فيه عن هذه النظرية، وقبلا كانت ترفض بطريقة ضمنية الجمع بين مبلغ التعويض ومبلغ الغرامة المصفى، يستخلص ذلك من خلال تقديرها للتعويض على أساس الضرر الفعلي الذي نشأ ( ) وقد عبرت عن ذلك صراحة في حكمها الصادر بتاريخ 27/11/1953 ) ( . وما يبرر هذا الاتجاه أن مبلغ التهديد المالي المصفى إذا جاوز قيمة الضرر الفعلي يؤدي إلى إثراء في جانب الدائن، وفي هذا الصدد يربط الأستاذ الفرنسي كيرز الغرامة التهديدية بالمسؤولية المدنية محاولا إيجاد تبرير لها، فيرى أن أركان المسؤولية هي خطأ المدين والضرر اللاحق بالدائن والعلاقة السببية بينهما، فإذا توافرت هذه الأركان يحكم القاضي بالتعويض، وإذا اعتبرنا أن تعنت المدين وإصراره على عدم التنفيذ خطأ جسيم منه يؤدي إلى إلحاق الضرر بالدائن فإنه يصح اعتبار الغرامة التهديدية بعد تصفيتها تعويضا، وهو برأيه هذا لا يبتعد كثيرا عن رأي الأستاذ هيبرو الذي يعتبر تعنت المدين ضررا من نوع خاص وليس خطأ، إلا أن هذا الرأي ووجه بالنقد الشديد انطلاقا من أنه إذا كانت الغرامة التهديدية تمر بمرحلتين: مرحلة ما قبل التصفية ومرحلة ما بعدها، فهذا لا يعني بالضرورة الطبيعة المزدوجة لها، وتبقى دائما وسيلة تنفيذ لا غير، وفي هذا الصدد يذهب الأستاذ هولو إلى أن التهديد المالي يتميز بطبيعة مستقلة تماما عن التعويض ( ). وبدوره يرفض الأستاذ مازو فكرة أن مبالغ الغرامة التهديدية المصفاة تعويضا انطلاقا من خصائصها فهي لا تهدف إلى إصلاح الضرر الذي أصاب الدائن بقدر ما تهدف إلى ضمان تنفيذ الالتزام عينا ولذا فهي ذات طبيعة خاصة وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في تاريخ 20/10/1959 وكذا القانون 72/626 المؤرخ في 05/07/1972 الذي نظم الغرامة التهديدية إذ جاء في نص في المادة السادسة منه ( تكون الغرامة التهديدية مستقلة عن التعويضات). أما الفقه المصري فإنه انطلق من نص المادة 214 من القانون المدني المصري في تكييفه للغرامة وبالخصوص من العناصر التي يعتمدها القاضي في تصفية مبالغ التهديد المالي وهو ما عبر عنه الأستاذ أنور سلطان بقوله ( إذا كان القاضي سيدخل في اعتباره عند تقدير التعويض العنت الظاهر من المدين عن عدم التنفيذ فيزيد في مقداره، إلا أنه لا يجب تفسير هذه الزيادة بأنها عقوبة بل يجب ردها إلى فكرة الخطأ وجسامته التي تؤثر في تقدير القاضي للتعويض ومن الطبيعي أن يدخل في هذه الجسامة تجاهل المدين لحكم القاضي الصادر بالتنفيذ العيني تحت طائلة الغرامة التهديدية ). إن نظرية التعويض رغم قوة الحجج التي استندت إليها إلا أنها قوبلت بالنقد وظهرت بالموازاة معها نظرية أخرى حاولت إعطاء تكييف آخر للغرامة التهديدية وهي نظرية العقوبة.

الفرع الثاني

نــظــــريــة العــــقــــوبـــة

يرى أنصار هذه النظرية أن مبالغ الغرامة التهديدية المصفاة هي عقوبة يحكم بها القاضي على المدين، من جراء امتناعه على تنفيذ الحكم إلا أنها عقوبة من نوع خاص،وترجع أصول هذه النظرية إلى الفقه والقضاء الفرنسيين، ويعتبر الأستاذ Huguney أول من كتب حول الموضوع في كتابه العقوبة الخاصة في القانون المقارن ( عام 1904) والذي يرى أن العقوبة الخاصة تكون في حالات ثلاث:

عندما يكون الفرد هو من يحدد الجزاء.
عندما يكون الفرد هو من يحدد المتابعة أو عدم المتابعة.
عندما يدفع مبلغها لصالح المضرور وليس الخزينة.
وإذا كان المفهوم الأول والثاني لا وجود لهما حاليا إلا أن الصورة الثالثة لا تزال في القانون المعاصر، ولها خصائص وأركان فهي تقوم على خطأ المدين ومبلغها يجاوز الضرر ولا يدفع للخزينة العامة كما هو الشأن في العقوبة العامة، وانطلاقا من هذا التعريف للعقوبة الخاصة يرى أنصار هذه النظـرية أن الغـرامـة التـهـديـديـة تـنـطـبـق عليها هـــذه الخـصائص، وبالتالي فهي عقوبة وليست تعويضا وعموما فإن هذه النظرية تجد مبررها في أن تصفية مبالغ التهديد المالي لا تكون إلا إذا رفض المدين التنفيذ وظهرت سوء نيته فكان هذا خطأ يستوجب الجزاء.

وقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات لعل أهمها:

1- اصطدامها بمبدأ شرعية العقوبة والجريمة، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فعدم تنفيذ المدين لالتزامه ليس جنحة يعاقب عنها القانون الجزائي، وإن كان أنصار هذه النظرية يردون على هذا النقد بقولهم أن تنفيذ الأحكام من النظام العام، وللقاضي سلطة واسعة في فرض احترامها وتنفيذها،إلا أن هذا مردود عليه ذلك أن القانون وحده هو الذي يحدد الوسائل التي يجوز للقاضي استعمالها لضمان تنفيذ أحكامه، ويبقى ذلك الاختصاص للمشرع وحده وهو ما يراه الأستاذ Faustin Halie ( ).

2- أن العقوبة تكون قابلة للتنفيذ مباشرة، في حين الغرامة التهديدية تتميز بطابعها الوقائي والمشروط عكس العقوبة التي تهدف أساسا للجزاء.

3- القول بأن الغرامة التهديدية عقوبة يؤدي إلى إثراء في جانب الدائن الذي قد يحصل على تعويض عن ما أصابه من ضرر بالإضافة إلى مبلغ التهديد المالي المصفى، ولذا ذهب بعض الفقهاء تفاديا لهذا النقد إلى اقتراح جزء من مبلغ الغرامة لصالح الخزينة العامة( ).

إن هذه النظرية وجدت في فرنسا في ظل غياب نص قانوني ينظم الغرامة التهديدية ولم يصبح لها أي مجال بعد تنظيمها قانونا.

الفرع الثالث

مــوقــف المشــرع الجـزائـري إذا كان الفقه الفرنسي قد انطلق من فراغ قانوني قبل سنة 1972 للبحث عن طبيعة الغرامة التهديدية بعد تصفيتها، فأوجد نظرية التعويض ثم نظرية العقوبة، فإن هذا المشكل لم يطرح في الجزائر كونها تجد تأسيسها في القانون، إذ تنص المادة 175 من القانون المدني: (إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين ).

فهذه المادة جاءت صريحة و نصت على أن مبالغ التهديد المالي تتحول عند تصفيتها إلى تعويض، ثم حددت العناصر التي يعتمدها القاضي في تقديره و هي الضرر الذي أصاب الدائن و العنت الذي بدا من المدين، هذا الأخير الذي يشكل لب الغرامة التهديدية ومعقل القوة فيها، ولا يعني هذا أن لها طبيعة خاصة مستقلة عن التعويض، فإذا رجعنا إلى القواعد العامة للمسؤولية المدنية و بالخصوص عناصر تحديد التعويض نجد أنها تتطابق مع عناصر التهديد المالي، إذ تنص المادة 131 من القانون المدني: (يقدرا لقاضي مدى التعويض عن الضرر الذي أصاب الدائن طبقا لأحكام المادة 182 من القانون المدني مع مراعاة الظروف الملابسة ) وتضيف المادة 182 من القانون المدني (يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب...)

وعليه فالقاضي عند تصفيته مبالغ الغرامة التهديدية يرجع إلى القواعد العامة فيما يخص عنصر الضرر، أما عنصر العنت فهناك من يعتبره خطأ من المدين يدخل في مفهوم الظروف الملابسة المنصوص عليها في المادة 131 من القانون المدني.

وعلى أي حال فإن هذا يدعو إلى التساؤل عن جدوى وجود نظرية التهديد المالي إذا كانت نظرية التعويض تغني عنها ؟

إن الغرامة التهديدية رغم أنها تتحول إلى تعويض نهائي عند تصفيتها، إلا أنها تحتفظ بفعاليتها كوسيلة تهديد وضغط، إذ أنها تنبه المدين إلى خطورة الوضع بالنسبة إليه وتشير إلى الكيفية التي تصفى بها، و رغم أن فكرة الخطأ ركن أساسي في المسؤولية المدنية إلا أنها في التهديد المالي تكون أوضح، وهذا يعني أن التعويض في هذه الحالة بمراعاته عنصر تعنت المدين و ممانعته يكون أكبر من التعويض الذي كان سيجنيه الدائن لو أنه لجأ مباشرة إلى التنفيذ بمقابل، و يستتبع هذا أن القاضي لا يمكنه أن يصفي الغرامات المتراكمة دون أن يضع حدا للالتزام الأصلي، فالدائن بطلبه التصفية يكون بطريقة غير مباشرة يطلب التنفيذ بمقابل أمام استحالة التنفيذ العيني، و لذا لا يمكن للقاضي أن يجمع بينهما في حكم

واحد انطلاقا من القاعدة القانونية (لا يحكم بتعويضين عن ضرر واحد).

و نظرا لكل ما تقدم فإن المشرع الجزائري يعتبر الغرامة التهديدية في مرحلتها الأولى وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني، على أنها إذا لم تحقق الغاية منها تحولت إلى تعويض ومن أجل هذا يصح اعتبارها نظرية مستقلة بذاتها.




اعتنى المشرع بتنظيم دعوى الغرامة التهديدية مثلها مثل بعض الدعاوى الأخرى الخاصة كدعاوى الحيازة والدعاوى الإدارية، وذلك بتفصيل شروطها في قانون الإجراءات المدنية وبعض القوانين الخاصة مثل قانون تسوية المنازعات الفردية للعمل 90/04.

وطبقا لنص المادة 340 من قانون الإجراءات المدنية فدعوى الغرامة التهديدية هي حق لكل دائن اتجاه مدينه عندما يمتنع هذا الأخير عن تنفيذ التزام بعمل أو امتناع عن عمل ( ) بشرط أن يثبت هذا الالتزام بموجب سند تنفيذي وأن يثبت امتناع المدين عن التنفيذ بموجب محضر رسمي.

وقد حدد المشرع الجزائري من خلال المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية الجهة القضائية المختصة بالفصل في هذه الدعوى إلا أن هذا النص جاء عاما ولذا نحاول من خلال هذا الفصل التطرق على اختصاص مختلف الجهات القضائية في إصدار الغرامة التهديدية خاصة القضاء الإداري بعد تبني الجزائر نظام قضائي مزدوج )المبحث الأول( ثم بعد ذلك نحاول تفصيل موضوع دعوى الغرامة التهديدية وكيفية تقديرها وتصفيتها )المبحث الثاني(.








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fadaok.ahlamontada.com
 
المسؤولية المدنية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاؤك :: القانون الخاص و فروعه :: القانون المدني-
انتقل الى: