دروس في القانون الإداري
ألقيت بالمدرسة الوطنية للضرائب
إعداد و تقديم /
الأستــاذ رواب جمــال
المحور الأول : الأشخاص المعنوية
يتمتع الإنسان منذ ولادته بالشخصية القانونية التي تمكنه من اكتساب الحقوق وتحمله بالالتزامات لأداء دوره في المجتمع وأداء رسالته، والأصل أن الشخصية القانونية نسبت للإنسان فقط إلا أن عجز الإنسان عن النهوض بكافة متطلبات الحياة في المجتمع لانتهاء شخصيته بالوفاة وحاجة المجتمع إلى دوام استمرار مرافقه ، لذلك كان لابد من منح الأهلية القانونية لأشخاص أخرى ، فظهرت نظرية الشخصية المعنوية التي مفادها منح القانون الشخصية القانونية -إلى جانب الإنسان الذي بات يطلق عليه الشخص الطبيعي- إلى نوعين من التجمعات : مجموعة من الأفراد أو مجموعة من الأموال تهدف لتحقيق هدف معين يكون له كيان ذاتي مستقل عن الأفراد المكونين لها يسمح بتحقيق هدفها ، وأطلق عليها اصطلاح الشخصية المعنوية الاعتبارية .
إن دراسة فكرة الشخصية المعنوية لها أهمية كبيرة في نطاق القانون الإداري من منطلق الدور الذي تلعبه هذه الفكرة في التظيم الإداري ، إذ أن فكرة الشخصية القانونية لم تعد تقتصر على الإنسان فحسب بل شملت الشخص المعنوي ليصبح هو الآخر شخص من أشخاص القانون ، و تتضح أكثر أهمية دراسة فكرة الشخصية المعنوية من حيث :
- إن فكرة الشخصية المعنوية تسمح بتجميع شتات الجهود و الأموال و توحيدها و توجيهها نحو هدف مشترك يعجز المجهود الفردي للإنسان على تحقيقه لقصر عمره و محدوديته أو لقلة موارده .
- إن فكرة الشخصية المعنوية هي من أسس و حقق ديمومة الدولة كشخص معنوي عام مهما تغير نظامها السياسي و تعاقب الحكام عليها .
- إن فكرة الشخصية المعنوية لعبت دورا سياسيا و قانونيا هاما في عزل فكرة السيادة و فكرة السلطة العامة عن الأشخاص و ذوات الحكام و إلحاقهما بفكرة الدولة كشخص معنوي عام و أصيل .
- كما أن لفكرة الشخصية المعنوية أهمية فنية و قانونية كبيرة في نطاق التنظيم الإداري ، حيث تظهر هذه الأهمية في زاويتين:
* تتجلى الأهمية الفنية لفكرة الشخصية المعنوية في عملية التنظيم الإداري ، بحيث تعتبر الوسيلة الفنية الناجعة في عملية تقسيم الأجهزة و الوحدات الإدارية المكونة للنظام الإداري ، و كذلك وسيلة لتوزيع إختصاصات السلطة الإدارية ، إقليميا و مصلحيا ، و كذلك تحديد العلاقات فيما بينها .
*تلعب فكرة الشخصية المعنوية دورا قانونيا هاما في نطاق التظيم الإداري ، إذ بهذه الفكرة أمكن القيام بمختلف الوظائف الإدارية بواسطة أشخاص طبعيين ( موظفي الدولة) بإسم الإدارة و لحسابها ، فتعتبر هذه الأعمال أعمال الأشخاص الإدارية رغم أنها أنجزت بواسطة أشخاص طبعيين .
تعريف الشخصية المعنوية :
إن الشخصية المعنوي هي شخصية ناجمة عن بناء فكري أي من نسج الخيال إعترف لها المشرع بالوجود نظريا و جعلها موضوعا أو محلا للحق ، و يمكن تعريفها قانونا كالتالي :
يعرفها البعض على أنها كيان له أجهزة خاصة و ذمة مالية .
و هناك من يعرفها على أنها مجموعة من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا أو مجموعة من الأموال ترصد لمدة زمنية محددة لتحقيق غرض معين ، بحيث تكون هذه المجموعة من الاشخاص المكونين لها مستقلين عن العناصر المالية لها ، أي أن تكون لها أهلية قانونية لإكتساب الحقوق و تحمل الإلتزامات ، و أن تكون لهذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال مصلحة جماعية مشتركة مستقلة عن المصالح الذاتية الفردية لأفراد المجموعة .
و يعرفها آخرون على أنها مجموعات من الأشخاص و الأموال ، التي نظرا لخصوصية أهدافها و مصالحها ، يمكنها القيام بنشاط مستقل أي مميز عن الأفراد الذين يكونون هذه المجموعات ، فيتعلق الأمر مثلا بالدولة و البلديات...
كما تعرف كذلك بانها كل مجموعة من الاشخاص أو الأموال تقم لتحقيق غرض معين ، و يمنحها القانون الشخصية لتحقيق ذلك.
و هناك من عرفها على أنها مجموعة من الأشخاص أو الأموال ترمي إلى تحقيق غرض معين ، و تمنح الشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق هذا الغرض .
و يجدر بالذكر أن اصطلاح الأشخاص الاعتبارية يعني صراحة أنها تكتسب الشخصية القانونية حكما أي بنص القانون الذي اعتبرها كذلك وفي نفس الوقت يعني ضمنا انها ليست أشخاصا طبيعية وإنما يمنحها المشرع تلك الصفة القانونية الاعتبارية لكي تتمكن من أن تمارس حقوقا وتلتزم بواجبات في سبيل تحقيق أغراض اجتماعية معتبرة سواء للمجتمع كله او لطائفة من طوائفه .
و لفكرة الشخصية المعنوية ثلاث عناصر جوهرية لابد من توافرها ،وهي :
- وجود مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال في ظل تنظيم معين يحقق ترابط و وحدة و أهداف هذه المجموعة ، و هذا ما يسمى بعنصر الديمومة .
- وجود غرض مشترك تسعى إلى تحقيقه هذه المجموعة .
- الإعتراف بها من قبل المشرع .
تكييف طبيعة فكرة الشخصية المعنوية :
إن فكرة الشخصية المعنوية لم تحظى بقبول و تأييد جميع الفقهاء ، فمنهم رفض وجود هذه الفكرة من أساسها ، و منهم من أكد وجودها، و حتى من إعترف بوجدها إختلف مع غير في مسألة تكييف طبيعة هذه الفكرة، و لكل حججه في ذلك .
فمن الفقهاء من رفض هذه الفكرة ، و على رأسم Leon DUGUIT و Gaston JEZE ، فحسب هؤلاء الفقهاء ، إن الشخص المعنوي هو أحد المفاهيم الميتافيزيقة ، فالشخص المعنوي لا وجود له من الناحية الواقعية ، هناك فقط أشخاص طبيعية ، فقد ذهب دوجيي إلى حد القول بصريح العبارة " لم أرتشف قط فنجان قهوة مع شخص معنوي" .
فأصحاب هذا الإتجاه يرى أنه لا فائدة ترجى من الإعتراف بفكرة الشخصية المعنوية و ليس لها أي اساس أو قيمة في عالم القانون و أنه يمكن الإستغناء عنها بالإعتماد على أفكار و نظريات قانونية أخرى كبدائل لها مثل فكرة الملكية المشتركة و فكرة التضامن الإجتماعي و المراكز القانونية .
غير ان غالبية الفقه أنكر ما ذهبت إليه هذه النظرية المنكرة لوجود فكرة الشخصية المعنوية ، و حجتهم في ذلك أنه لو كان الشخص الطبيعي هو الوحيد الذي يمكن القبول به كمحل للحق ، لما أمكن على الإطلاق تفسير بعض ظواهر الحياة القانونية ، فحسب هؤلاء مثلا يوجد في الدولة عنصر ثابت لا و دائم لا يؤثر فيه تغير الحكام و تبدلهم ، أي تغير الحكام لا يؤدي إلى تغيير الدولة بحد ذاتها ، فحتى يتحقق عنصر الديمومة لا بد من الاخذ بفكرة الشخص المعنوي .
و هذا ما أكده الأستاذ J.L. AUBERT بقوله : " إن وجود الشخصية المعنوية و طبيعتها لم تصبح اليوم محل نقاش ، لأن الحياة القانونية اليوم ، حقيقة جعلت من الأشخاص المعنوية شركاء يوميين للأشخاص الطبعيين ".
L’existence et la nature des personnes morales ne sont guerres discutées aujourd’hui. Il est vrai que la vie juridique quotidienne fait des personnes les partenaires habituels des personnes physiques . . .
و نشير هنا أنه و إن كان هذا هو الموقف السائد ، أي المؤيد لوجود الشخصية المعنوية إلا أنه ثار نقاش فقهي حاد حول تكييف طبيعة فكرة الشخصية المعنوية ، فذهب رجال الفقه في ذلك في إتجاهات مختلفة نوجزها في ما يلي :
1- نظرية الوهم الشرعي أو الإفتراض القانوني La théorie de la fiction
سافيني ، بونار ،كابتان ... ).
يرى أصحاب هذه النظرية أن فكرة الشخصية المعنوية ما هي في حقيقة الأمر إلا مجرد إفتراض قانوني مخالف للواقع لجأ إليها المشرع كحيلة قانونية لتمكين التجمعات و الهيئات من تحقيق أهدافها ، عن طريق إفتراض الشخصية القانونية لها حتى تتحقق لها أهلية إكتساب الحقوق و تحمل الإلتزامات ، فتعتبر مجازا شخصا من أشخاص القانون .
أساس هذه النظرية :يستند انصار هذا الإتجاه إلى أن الشخصية القانونية الحقيقية ملازمة للشخص الطبيعي ( الإنسان ) فحسب من منطلق وجوده المادي الفيزيولوجي و ما يتمتع به من ملكات و قدرات عقلية و إرادية ، أما الشخص المعنوي فهو مجاز و إفتراض قانوني عكس الشخص الطبيعي ، الذي يبقى كإستثناء مخالف للأصل و الحقيقة يجب إقرار وجوده في نطاق ضيق و بالقدر اللازم لتحقيق الغرض من وجوده .
نقد الإتجاه :يؤخذ على هذه النظرية أنها عجزت عن تفسير كيفية وجود الشخصية القانونهية للدولة ، فإذا كانت فكرة الشخصية المعنوية هي مجرد مجاز و إفتراض قانوني وضعه المشرع بالتالي فهي مجرد منحة من المشرع تبقى مرهونة بإرادة مشرع الدولة ، فمن إذن منح الشخصية القانونية للدولة مادامت هي من يتحكم في منح الشخصية القانونية ؟
و نظرا لوجاهة هذا النقد رد أصحاب الغتجاه على ذلك بالقول أن الدولة هي الشخص المعنوي الوحخيد الاصيل و الحقيقي ، حيث توجد شخصيتها القانونية بمجرد توافر أركانها ، اما الاشخاص المعنوية الأخرى في مجرد مجاز و إفتراض قانوني .
كما أن هذه النظرية تبرر لإطلاق سلطان الدولة في التحكم في مصير الجماعات و التجمعات بشكل يسيئ إلى تكوينها و دورها .
كما أن ربط فكرة الشخصية المعنوية بالإرادة الذاتية يؤدي إلى تقرير عدم مسؤولية الأشخاص المعنوية مدنيا و جزائيا.
2- نظرية الشخصية الحقيقة أو نظرية الوجود الحقيقي La théorie de la réalité de la personne morale :
يري أصحاب هذا الإتجاه و على رأسهم GIERKE أن فكرة الشخصية المعنوية هي حقيقة قانونية واقعية موجودة شأنها شأن الشخصية الطبيعية و ليست مجازا أو أو إفتراضا أو حيلة .
أساس هذه النظرية : تقوم هذه النظرية على اساس يتكون من حجتين ، ذلك أن أنصار هذه النظرية إنقسموا إلى فريقين بهذا الخصوص .
- يرى الفريق الأول أن الشخص المعنوي شأنه شأن الشخص الطبيعي له إرادة ذاتية مستقلة وقائمة بذاتها تكونت له من نتاج تجمع إرادات الأفراد الذين يكونون الشخص المعنوي ، فكلما حصل إتفاق بين أعضاء المجموعة حول مسالة معينة من نطاق هدف المجموعة شكل هذا الإتفاق أو الرأي المشترك الإرادة الذاتية للشخص المعنوي ، بالتالي متى تكونت هذه الإرادة الذاتية نقول أننا أمام شخص معنوي موجود كحقيقة قانونية .
- نظرا لمغالات الفريق الأول في تشبيه الشخص المعنوي بالشخص الطبيعي ، ظهر فريق آخر يرى بأن الأساس الذي تقوم عليه الشخصية المعنوية ليس الإرادة الجماعية بل أن المصلحة هي الاساس و هي جوهر الحق الذي جعل من الشخص المعنوي محلا للحق.
نقد الإتجاه : ما يؤخذ على هذا الإتجاه ككل هو أنه لما جعل الشخصية المعنوية حقيقة لا مجاز و نفى عنها وصف منحة من الدولة، أي جعل منها حالة واقعية تفرض نفسها على المشرع الذي ما عليه سوى الإعتراف بها ، من شأنه أن يعبد الطريق أمام إنشاء العديد من الأشخاص المعنوية دون حاجة لإنتظار موافقة من المشرع .
نظرية الحقيقة التقنية La théorie de la réalité technique :
بإختصار ، يستلهم أصحاب هذه النظرية و على رأسهم MICHOUD أفكارهم من النظريتين السابقتين ، فوفق منظور هذا الإتجاه ، أن الشخصية المعنوية تمثل فعلا حقيقة ، إلا أنها ليست حقيقة مجسدة ، فالمصالح الجماعية و الجماعات ليس لها نفس طبيعة الشخص الطبيعي ، أنها تفترض فقط الإعتراف القانوني أي القابلية لأن تكون موضوعا للحق، فلشخص المعنوي ليس وهما قانونيا بل هو حقيقة نابعة من المجتمع و من التقنية القانونية و يرى غالبية رجال القانون أن هذه النظرية هي الاقرب للإقناع .
كنتيجة لما سبق قوله نقول أن الموقف الأكثر واقعية و الاقرب للمنطق القانوني يكمن إعتبار أن الإعتراف بالشخصية القانونية له هدف دقيق ألا و هو الإعتراف ببعض النتائج منها الإعتراف بكل الحقوق بإستثناء ما تعلق منها بالشخص الطبيعي .
موقف المشرع الجزائري :
تنص المادة 49 من التقنين المدني الجزائري على ما يلي :
" الأشخاص الإعتبارية هي :
- الدولة ، الولاية ، البلدية ،
- المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ،
- الشركات المدنية و التجارية ،
- الجمعيات و المؤسسات ،
- الوقف ،
- كل مجموعة من الأشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية ، "
و تنص المادة 51 من التقنين المدني الجزائري على ما يلي :" يعين القانون الشروط التي يجب توافرها لتأسيس مؤسسات الدولة و المنشآت الإقتصادية و الإجتماعية و المجموعات مثل الجمعيات و التعاونيات و غكتسابها الشخصية القانونية أو فقدها ".
من خلال إستقرائنا لهذه النصوص و غيرها في القانون الجزائري نجده يعترف صراحة بفكرة الشخصية المعنوية نظرا لأهميتها القصوى و الفعالة و دورها الكبير كأدات فنية و قانونية في التنظيم الإداري الجزائري و يبدوا من مضمون النصين السابقين ، و كذا من طريقة الصياغة و العبارات المستعملة مثل إستعمال مصطلح "الأشخاص الإعتبارية" و كذلك "كل مجموعة من الأشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية" بالإضافة إلى عبارة "يعين القانون" ، أن المشرع الجزائري يميل للأخذ بنظرية المجاز أو الإفتراض القانوني في تكييف طبيعة فكرة الشخصية المعنوية.
نتائج فكرة الشخصية المعنوية :
يترتب على وجود الشخص المعنوي و الإعتراف به من قبل المشرع عدة نتائج ، كما يترتب على الإعتراف بالشخصية المعنوية العامة لبعض الوحدات و الأجهزة و المجموعات الإدارية نتائج خاصة لاشخاص القانون الإداري .
النتائج العامة لمنح فكرة الشخصية المعنوية :
يترتب على منح الشخصية المعنوية و الإعتراف بها نتائج حددتها المادة 50 من التقنين المدني الجزائري بنصها على ما يلي :
" يتمتع الشخص الإعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان ، و ذلك في الحدود التي يقررها القانون .
يكون لها خصوصا :
- ذمة مالية .
- أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون .
- موطن و هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته .
- الشركات التي مركزها الرئيسي في الخارج و لها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها ، في نظر القانون الداخلي في الجزائر .
- نائب يعبر عن إرادتها .
- حق التقاضي ."
إذا اعترف بالشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبيعي ، وذلك في الحدود التي قررها القانون فيكون لها ، ذمة مالية و أهلية قانونية و حق التقاضي و موطن مستقل كنتائج عامة .
النتائج الخاصة لمنح فكرة الشخصية المعنوية :
إن من بين النتائج الخاصة التي تنجم عن تمتع الوحدات و الهيئات الإدارية بالشخصية المعنوية يمكن إجمالها في الآتي :
- إن تمتع المؤسسات و المجموعات الإدارية بالشخصية المعنوية و تمتعها بإستقلالها الذاتي عن الدولة ، لا يعني أنها مستقلة إستقلالا كاملا في مواجهة الدولة بل إن إستقلالها مقيد الحدود في النطاق الذي رسمه المشرع لهذا الإستقلال في القانون المنشئ لهذه الهيئة أو الوحدة الإدارية ، بحيث تضل خاضعة لرقابة الدولة و إشرافها عن طريق نظام الوصاية.
- إن منح الشخصية المعنوية لبعض الهيئات و الاجهزة الإدارية يؤدي إلى تجزئة السلطة الإدارية و تفتيتها و توزيع مظاهر السلطة العامة و إمتيازاتها بين الدولة و هذه الأجهزة و الهيئات و الحدات اللامركزية المستقلة .
- إن موظفي الأشخاص المعنوية موظفون أو عمال عامون بعلاقة تنظيمية مع الشخص المعنوي إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ولا يمنع ذلك من أن يكون لبعض الأشخاص المعنوية نظام خاص لموظفيها ولوائح خاصة بتأديبهم .
- تعتبر أموال الأشخاص المعنوية الإدارية هي أموال تسير بأسلوب الإدارة العامة عن طريق القانون العام و تتمتع بحماية خاصة تسمى بحماية المال العام .
- تمارس الأشخاص المعنوية العامة جانباً من سلطة الدولة باعتبارها من أشخاص القانون العام فتتمتع بامتيازات السلطة التي يقررها القانون للجهات الإدارية فتعتبر قراراتها إدارية ، ويجوز تنفيذها جبراً دون الالتجاء إلى القضاء ، كذلك تملك حق نزع الملكية للمنفعة العامة أو الاستيلاء المباشر كما يجوز لها إبرام العقود الإدارية ، وحيث توجد هذه السلطة توجد مسؤولية الشخص المعنوي عن أفعاله الضارة التي قد يتسبب بها موظفيه .
- نتيجة لتمتع الشخص المعنوي العام بامتيازات السلطة العامة وبالتالي اعتباره شخصاً من أشخاص القانون العام ، فإن القضاء الإداري يكون هو المختص في نظر المنازعات الناشئة عن ممارسة نشاطه ، ويخضع كذلك للقيود التي يفرضها القانون الإدراي من ضرورة إتباع إجراءات خاصة في التعاقد أو الطعون في القرارات الصادرة منه وغير ذلك من أمور تفرضها الطبيعة الخاصة بنظام القانون العام .
أنواع الأشخاص المعنوية :
من خلال نص المادة 49 من التقنين المدني الجزائري ، نلاحظ أنها عددت أنواع الأشخاص المعنوية في النظام القانوني الجزائري و هي الدولة ، الولاية ، البلدية ، المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ، الشركات المدنية و التجارية ، الجمعيات و المؤسسات ، الوقف ، كل مجموعة من الأشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية قانونية .نستنج من العبارة الأخيرة لنص المادة 49 أن المشرع الجزائري أورد في هذا النص الأشخاص المعنوية على سبيل الميثال لا الحصر .
التمييز بين الاشخاص المعنوية العامة و الأشخاص المعنوية الخاصة :
تنقسم الاشخاص المعنوية تقسيما رئيسيا إلى أشخاص معنوية عامة يحكمها القانون العام مثل الدولة و الولاية و البلدية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري كالمستشفيات ، و أشخاص معنوية خاصة يحكمها القانون الخاص مثل الشركات المدنية و التجارية و الجمعيات و المؤسسات و الوقف .
و تبقى أهم مشكلة تواجه الدارس في هذا السياق تتمثل في إيجاد معيار دقيق للتفرقة بين الأشخاص المعنوية العامة و الأشخاص المعنوية الخاصة كما تظهر أهمية هذا التمييز فيما يلي :
- إن تحديد طبيعة الشخص المعنوي كونه شخصا معنويا خاصا أو عاما لها أهميتها في تحديد طبيعة النظام القانوني الذي ينظم أحكامها و نشاطها .
- إن التمييز بين الأشخاص المعنوية الخاصة و العامة له أهميته في تحديد طبيعة الأعمال و التصرفات و كذلك تحديد طبيعة أموال و موظفي الأشخاص الإدارية .
معايير التمييز بين الاشخاص المعنوية العامة و الأشخاص المعنوية العامة :
هناك عدة معيير للتفرقة بين ما هو شخص معنوي خاص و ما هو شخص معنوي عام ، يمكن إجمال أهما فيما يلي :
فكرة المنشأة العامة :فإذا كان هذا الشخص من إنشاء الدولة فهو شخص عام و إذا كان من إنشاء الأفراد فهو منشأة خاصة .
غير أن هذا المعيار لا يحقق التفرقة لأن هناك أشخاص معنوية تتدخل الدولة في إنشائها و لكنها لا تعد شخصا معنويا عاما مثل الجمعيات ، كما أن هناك أشخاص معنوية خاصة تنشأها الدولة مثل الشركات ذات رأسمال مختلط عام و خاص .
فكرة الهدف :وفقا لهذا المعيار فإن الأشخاص المعنوية العامة تستهدف تحقيق المنفعة العامة ، أما الأشخاص المعنوية الخاصة فهي تستهدف تحقيق المصلحة الخاصة .
غير أن هذا المعيار يبقى رغم وجاهته غير جامع مانع ، لأن هناك أشخاص معنوية خاصة تستهدف تحقيق المصلحة العامة مثل المشروعات الخاصة ذات النفع العام كالمدارس الخاصة .
معيار طبيعة النشاط :وفقا لهذا المعيار فإن الشخص المعنوي العام هو الشخص الذي يقوم بنشاط عام ، بينما الشخص المعنوي الخاص يقوم بنشاط خاص .
غير أن هذا المعيار يبقى في الواقع غير دقيق نظرا لكون أشخاصا معنوية عامة تقوم باعمال ذات طبيعة خاصة.
معيار الانضمام الإجباري :الأشخاص المعنوية العامة هي التي يكون الإنضمام إليها إجباري أي ملزما ، أما الأشخاص المعنوية الخاصة يكون إختياريا .
غير أن هذه المعايير جميعها تبيقى عاجزة إلى حد ما عن التفرقة بين الشخص المعنوي العام و الشخص المعنوي الخاص، و يبقى المعيار الراحج في التمييز بينهما يتمثل في المعيار المركب أو المزدوج ، و الذي يقوم على عنصرين ، هما :
- عنصر ذاتي ، يتمثل في إرادة المشرع التي تتضمنها النصوص القانونية المنشئة للشخص المعنوي المراد تحديد طبيعته ، فالوقوف على إرادة المشرع و الكشف عنها يساعد على تحديد نوعية الشخص المعنوي ، هل هو عام أم خاص .
- عنصر موضوعي ، يتكون من المعايير الستة السابق الإشارة إليها كدلائل على نوعية الشخص المعنوي هل هو عام أم خاص .
أنواع الأشخاص الإدارية المعنوية :
يوجود نوعين رئيسيين من الأشخاص المعنوية هي : الأشخاص المعنوية العامة ، والأشخاص المعنوية الخاصة، مع ما تتمتع به الأشخاص المعنوية الخاصة من أهمية في نطاق القانون الخاص فتظهر بشكل الشركات والمؤسسات و الجمعيات التي تنشأ
بمبادرات الأفراد لتحقيق الربح أحياناً وتحقيق النفع العام أو المصلحة العامة في أحيان أخرى.
و الشخصية المعنوية العامة تحتل أهمية أكبر بكثير في نطاق القانون العام الذي لا يعرف غير هذا النوع من الأشخاص المعنوية رغم أن نظرية الشخصية المعنوية نشأت في ظل القانون الخاص .
و قد درج الفقه والقضاء على تقسيم الأشخاص المعنوية العامة إلى ثلاث أنواع :
أولاً : الأشخاص المعنوية الإقليمية
و هي الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية التي يتعلق اختصاصها في نطاق جغرافي معين من الدولة وهي تشمل الدولة والوحدات المحلية الأخرى كالولاية و البلدية .
1- الدولة : و هي أهم الأشخاص المعنوية على الإطلاق ولهذا فقد ورد النص عليها في القانون المدني على أن الدولة هي أول الأشخاص الاعتبارية و هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع عنه الأشخاص المعنوية الأخرى وهي التي تمنح الشخصية المعنوية الخاصة للأفراد والهيئات الخاصة وتمارس الرقابة عليها .
و الدولة باعتبارها شخص معنوي عام تشمل سلطات الدولة الثلاث : السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، باعتبارها شخص معنوي واحد . إلا أن هذه الوحدة في شخصية الدولة لم تكن أمراً مسلماً به فقد اختلف الفقه في شأنها .
فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الاعتراف بالشخصية المعنوية العامة للدولة يقتصر على مجال معين من نشاط الدولة وهو الحقوق المادية والتصرفات التي تندرج في القانون الخاص ، أما بالنسبة لتصرفات الدولة التي تحمل طابع السلطة وامتيازاتها فما هي إلا اختصاصات يمارسها ممثلوا الدولة في الحدود التي رسمها القانون تحقيقاً للمصلحة العامة و لعل الدافع وراء تبني هذا الرأي الخشية من تعسف الدولة وجورها على الحريات العامة إذا ما اعتبرت تصرفات الدولة حقاً من حقوقها , بينما ذهب رأي آخر إلى ثنائية شخصية الدولة ، فتكون شخصاً معنوياً خاصاً إذا ما تصرفت في مجال الحقوق المالية أو الحقوق الخاصة المشابهة لتصرفات الأفراد وينطبق عليها القانون الخاص وتعتبر شخصاً معنوياً عاماً إذا قامت بعمل بدخل في ضمن نطاق السلطة العامة وهنا تخضع تصرفاتها لأحكام القانون العام .
إلا أن هذه الآراء لم تلبث أن انتهت ، وأصبح الرأي السائد فقهاً وقضاءً أن شخصية الدولة وحدة لا تتجزأ وهي تشمل جميع تصرفات الدولة و أعمال الخاصة منها و التي تتسم بطابع السلطة العامة و هو رأي يتماشى مع المنطق القانوني السليم .
2- الوحدات الإقليمية و المحلية : ترتبط فكرة الأشخاص المعنوية العامة المحلية بالديمقراطية التي تسمح لكل إقليم من أقاليم الدولة أن يدير شؤونه المحلية من خلال ممثليه من سكان الإقليم في الولاية و البلدية .
ثانياً : الأشخاص الاعتبارية العامة المرفقية
يطلق عليها أيضاً الإعتبارية الفنية أو المصلحية ، وتنشأ لتحقيق مصالح عامة للأفراد تحت رقابة الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية التابعة لها، و تسمى هذه الأشخاص بالهيئات أو المؤسسات العامة قد لجأ المشرع إلى إنشاء هذه الأشخاص لتباشر إدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية لضمان فاعلية وكفاءة الإدارة ، و تختلف هذه الأشخاص عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أنها مقيدة بالهدف الذي أنشأت من أجله، في حين تكون الأخيرة مقيدة بالحدود الجغرافية للإقليم الذي تمثله حيث أن الأشخاص الاعتبارية المرفقية تهدف إلى تحقيق أغراض متنوعة منها ما هو إداري أو اجتماعي أو اقتصادي، فإن هذا الاختلاف يقود إلى اختلاف أنظمتها القانونية حسب النشاط الذي تتولاه ، أما الأشخاص الإقليمية فالقاعدة العامة أنها تتمتع بذات التنظيم القانوني .
كذلك تفترق الأشخاص الاعتبارية المرفقية عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أن الأخيرة تقوم على فكرة الديمقراطية التي تؤكد حق سكان الوحدات المحلية بإدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم ، بينما تقوم فكرة الشخصية الاعتبارية المرفقية على ضرورة ضمان الكفاءة الإدارية وحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع الفني ولا علاقة للديمقراطية في ذلك ، كما هو الحال في الجامعات و المستشفيات.
ثالثاً : الأشخاص المعنوية المهنية
بسبب التطور المستمر في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول وتأثير هذا التطور على القانون الإداري وأحكامه ظهرت فكرة جديدة لأشخاص معنوية أخرى تتمثل في المنظمات والاتحادات ذات الطابع المهني ، تتولى إدارة مرافق عامة ينشأها المشرع لتحقيق مصالح عامة ، ومن ذلك الاتحاد الأدباء والكتاب ، تتمتع هذه الأشخاص بالاستقلال ولها إصدار اللوائح الخاصة بتأديب أعضائها وممارسة المهنة التي تشرف عليها .
المحور الثاني : أساليب التنظيم الإداري
تنتهج الدول المختلفة أسلوبين في تنظيمها الإداري هما :
المركزية الإدارية و اللامركزية الإدارية ، الذان يشكلان المظهران المتعارضان للاسلوب الذي تسير عليه الإدارة ، بحيث تأخذ الدول بقدر من هذا المظهر أو ذاك وفقا لظروفها السياسية و الإجتماعية الخاصة بها كما أن نسبة المزج و الخلط بين كل من النظامية وفقا للظروف المختلفة و تغيراتها، بحيث يتجه الأسلوب الأول و الأقدم في الظهور نحو حصر الوظيفة الإدارية في أيدي السلطة التنفيذية وحدها في العاصمة دون وجود سلطات إدارية أخرى مستقلة عنها ، بينما يتجه أسلوب اللامركزية الإدارية نحو توزيع الوظيفة الإدارية ومشاركة هيئات وسلطات لامركزية ، و فيما يلي سنتناول بالدراسة المركزية الإدارية ثم اللامركزية الإدارية وذلك في مبحثين .
المبحث الأول
المركزية الإدارية
المركزية الإدارية هي أول النظم التي اتبعتها الدول في الحكم والإدارة ، وتقوم المركزية على أساس التوحيد و عدم التجزئة ، وفي المجال الإداري يقصد بها توحيد النشاط الإداري أو الوظيفة الإدارية و حصرها في يد السلطات الإدارية المركزية أي في يد السلطة التنفيذية الموجودة في العاصمة ، تقوم السلطة التنفيذية في هذا النظام بالسيطرة على جميع الوظائف الإدارية من توجيه و تخطيط و رقابة و تنسيق ، وما على السلطة الدنيا في هذا النظام إلا الإلتزام بالقرارات التي تصدر عن السلطة العليا و ما يساعد على ذلك الترتيب الذي يسود السلطة التنفيذية و تقسيم الموظفين رؤساء ومرؤوسين إلى درجات يعلو بعضها بعضاً في سلم إداري منتظم ، يخضع كل مرؤوس فيه لرئيسه خضوعاً تاماً فينفذ أوامره و يعمل تحت إمرته و إشرافه و بتوجيهاته .
و نشير هنا انه لا تعني المركزية أن تقوم السلطة التنفيذية في العاصمة بجميع الأعمال في أنحاء الدولة ، بل تقتضي وجود فروع لهذه السلطة تكون تابعة للسلطة المركزية في العاصمة ومرتبطة بها في مباشرة وظيفتها غير أن هذه الفروع لا تتمتع في ذلك بأي قدر من الاستقلال .
أولا : أركان المركزية الإدارية
تقوم المركزية الإدارية على ثلاثة أركان هي : تركيز الوظيفة الإدارية في يد سلطات الإدارة المركزية (الحكومة) ، التدرج الهرمي الإداري ، السلطة الرئاسية .
- تركيز و حصر سلطة الوظيفة الإدارية في يد الإدارة المركزية
إن من مقومات النظام الإداري المركزي هو حصر و تجميع الوظيفة الإدارية و تركيزها في يد السلطة الإدارية المركزية في
الدولة ، بمعنى أنه تتركز في هذا النظام سلطة مباشرة الوظيفة الإدارية في يد السلطة التنفيذية بالعاصمة بحيث تتركز فيها سلطة اتخاذ القرارات و تسيير المرافق العامة ، و تعاونها في ذلك الهيئات التابعة لها في الأقاليم الأخرى تحت إشراف و رقابة السلطة المركزية، بحيث لا توجد في هذا النظام أشخاص معنوية عامة محلية أو مرفقية مستقلة عن السلطة المركزية .
- التدرج الهرمي الإداري
إن فكرة التدرج الهرمي الإداري تعني أن يأخذ الجهاز الإداري أو هيكل النظام الإداري في الدولة و المتكون من مجموعة من الأجهزة و الوحدات الإدارية المختلفة أن يأخذ شكل أو هيئة مثلث أو هرم مترابط و متتابع الدرجات و المستويات و الطبقات بحيث ترتبط كل درجة من هذا السلم الإداري بالدرجة التي تليها مباشرة برابطة و علاقة قانونية هي رابطة السلطة الإدارية ، بمعنى أن يقوم النظام المركزي على أساس التدرج الهرمي في الجهاز الإداري ومقتضاه أن يخضع موظفي الحكومة المركزية بشكل متدرج و متصاعد ، تكون الدرجات الدنيا تابعة للأعلى منها تحت قمة الجهاز الإداري وهو الوزير .
و للسلطات العليا حق إصدار الأوامر والتعليمات للجهات الدنيا ويخضع كل مرؤوس خضوعاً تاماً ، ويتجه مجال الطاعة في داخل النظام المركزي إلى درجة كبيرة فالرئيس يباشر رقابة سابقة ولاحقة على أعمال المرؤوس كما أن للرئيس صلاحية تعديل القرارات الصادرة من مرؤوسيه وإلغائها بالشكل الذي يراه مناسباً .
لهذه الدرجات تكون ما يسمى بنظام التسلسل الإداري الذي يبين التمايز بين طبقتي الرؤساء والمرؤوسين ويبرز علاقة التبعية والسلطة الرئاسية .
- السلطة الرئاسية :
تعرف السلطة الرئاسية على أنها القوة التي تحرك السلم الإداري الذي يقوم عليه النظام الإداري المركزي ، و مفهومها في علم الإدارة العامة و القانون الإداري هو حق و سلطة إستعمال قوة الأمر و النهي من أعلى أي من طرف الرئيس الإداري المباشر و المختص ، و واجب الطاعة و الخضوع و التبعية من طرف المرؤوس المباشر لهذا الرئيس .
تعتبر السلطة الرئاسية ضمانه معترف بها للرؤساء الإداريين ينضمها القانون فيوفر وحدة العمل وفعاليته واستمراريته، فهي الوجه المقابل للتبعية الإدارية بحيث تتقرر بدون نص و بشكل طبيعي ، غير أنها من جانب آخر ترتب مسؤولية الرئيس عن أعمال مرؤوسية ، بالتالي عدم إمكانية تهربه من هذه المسؤولية و السلطة الرئاسية من أهم ركائز النظام المركزي ، إلا أنها سلطة ليست مطلقة وليست على درجة واحدة من القوة فهي تتأثر بصاحب السلطة و مركزه في السلم الإداري و بنوع الوظيفة التي يمارسها ،و هي الرئاسية تتحلل إلى مجموعة من الاختصاصات بعضها يتعلق بشخص المرؤوس والآخر منها يتعلق بأعماله :
أ- سلطة الرئيس على شخص مرؤوسيه
تتضمن سلطة الرئيس على أشخاص مرؤوسه الكثير من الاختصاصات و الصلاحيات منها ما يتعلق بسلطته في التعيين و الاختيار ، و سلطته في تكليف مرؤوسيه بأعمال معينة ، بالإضافة إلى سلطة نقل الموظف وترقيته و سلطة التأديب التي قد تصل إلى حد العزل أو حرمان من بعض الحقوق و المزايا الوظيفية ، و كل ذلك طبعا في حدود ما يسمح به القانون .
ب- سلطة الرئيس على أعمال مرؤوسيه
تشمل هذه السلطة في حق الرئيس في توجيه مرؤوسيه عن طريق إصدار الأوامر و التعليمات و التوجيهات إليهم قبل ممارسة أعمالهم و سلطة مراقبة تنفيذهم لهذه الأعمال و التعقيب عليها وتشمل هذه السلطات .
1- سلطة الأمر :
يملك الرئيس إصدار الأوامر والتعليمات ، ويعتبر اختصاصه هذا من أهم مميزات السلطة الرئاسية ، ذلك أن إصدار الأوامر عمل قيادي له أهمية كبرى في سير الأعمال الإدارية ، و بصفة عامة نجد أن السلطة الرئاسية تتصف أساساً بأنها سلطة آمره
لكونها تقوم على إصدار أوامر ملزمة للمرؤوسين .
2- سلطة الرقابة و التعقيب
وسيلة الرئيس في رقابته على مرؤوسيه تكمن في التقارير التي يقدمها الموظفين عن أعمالهم بصورة دورية أو بواسطة التقارير التي يضعها المفتشون ويطلعون السلطة الرئاسية عليها ، و قد يمارسها كذلك عن طريق الشكاوي التي يقدمها إليه الأفراد الذين أصابهم الضرر نتيجة تصرفات مرؤوسيه .
ثانيا :صور المركزية الإدارية : تتخذ المركزية الإدارية من الناحية العملية صورتان : التركيز الإداري وعدم التركيز الإداري
-أولاً : التركيز الإداري
هي الصورة البدائية للمركزية الإدارية ، ويطلق عليها أيضاً المركزية المتطرفة أو الوزارية أو المكثفة معناها أن تتركز سلطة اتخاذ القرارات في كل الشؤون الإدارية بيد السلطة الإدارية المركزية و المتمثلة في الوزراء على مستوى العاصة العاصمة ، بحيث لا يكون لأية سلطة أخرى حق تقرير أي أمر من الأمور ، إنما يتعين على كافة الموظفين في الأقاليم الرجوع إلى الإدارة المركزية المختصة لإصدار القرار و ينحصر دور الموظفين في الجهاز الإداري في تقديم المقترحات والآراء في المساءل المطروحة عليهم و انتظار ما ما تقرره الإدارة المركزية بشأنها ، وتنفيذ هذه القرارات ، لا شك أن هذه الصورة من التركيز الشديد تضر بمصالح الأفراد وتعرقل عمل الإدارة فمن غير المتصور أن تتخذ جهة إدارية واحدة كافة القرارات في كل أنحاء الدولة وتكون هذه القرارات ملائمة ومناسبة لظروف العمل الإداري و توفر حلاً لمشاكل الأفراد ، لذلك هجرت أغلب الدول هذه الصورة من المركزية الإدارية نحو الصورة المعتدلة للمركزية الإدارية و هي عدم التركيز الإداري .
- عدم التركيز الإداري
يطلق على هذه الصورة من المركزية الإدارية، أللاوزارية أو المركزية المعتدلة أو المخففة و مقتضاها تخفيف العبء عن الحكومة و الإدراة المركزية بتخويل بعض الموظفين في الأقاليم المختلفة سلطة البت في بعض الأمور ذات الطابع المحلي دون الحاجة للرجوع للوزير المختص في العاصمة .
إلا أن هذه الصورة من المركزية لا تعني استقلال هؤلاء الموظفين عن الإدارة المركزية ، فهم خاضعون لسلطتها الرئاسية ولها أن تصدر إليهم القرارات الملزمة و لها أن تعدلها أو تلغيها ، وكل ما في الأمر أن عدم التركيز الإداري يخفف من العبء على الوزارات والإدارات المركزية من خلال بعض القرارات الإدارية التي يمكن أن تتخذ من ممثلي الوزراء في الأقاليم بدلا من أن تتخذ من الوزراء أنفسهم و من ثم يختلف عدم التركيز الإداري عن اللامركزية الإدارية إذ تتعدد السلطات الإدارية في اللامركزية الإدارية نظراً لتعدد الأشخاص المعنوية ، وتختص كل سلطة بجانب من الوظيفة الإِدارية في الدولة ، حيث يتم توزيع الاختصاصات على هذا الأساس.
و على أي حال فإن هذه الصورة من المركزية أفضل من التركيز الإداري وهي مرحلة انتقال صوب نظام اللامركزية الإدارية ، وهي الصورة الباقية في إطار نظام المركزية الإدارية و لعل من أبرز وسائل تحقيق عدم التركيز الإداري نظام تفويض الاختصاص ، الذي سنتناوله في هذا الجزء من الدراسة .
ثالثا : تفويض الاختصاص
تستلزم ضرورات العمل الإداري وحسن سير المرافق العامة أن يفوض بعض الموظفين المختصين بعض أعمالهم إلى موظفين آخرين غالباً ما يكونون مرؤوسين بالنسبة لهم ، و يقصد بالتفويض أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جزء من اختصاصاته إلى أحد مرؤوسيه ، بشرط أن يسمح القانون بمنح هذا التفويض و أن تكون ممارسة الاختصاص المفوض تحت رقابة الرئيس الإداري صاحب الاختصاص الأصيل .
للتفويض مزايا عدة فهو من جانب يخفف العبء عن الرئيس صاحب الاختصاص الأصيل ، فهو يقوم بنقل جزء من اختصاصه في مسألة معينة إلى أحد مرؤوسيه أو جهة أو هيئة ما ، و يؤدي من جانب آخر إلى تحقيق السرعة والمرونة في أداء الأعمال مما يسهل على الأفراد قضاء مصالحهم ويدرب المرؤوسين على القيام بأعمال الرؤساء، فينمي فيهم الثقة والقدرة على القيادة.
- شروط التفويض
للتفويض شروط أوردها الفقه و القضاء، يجب مراعاتها حتى يكون التفويض صحيحاً هي :
1- التفويض لا يكون إلا بنص ، يلزم حتى يكون التفويض صحيحاً أن يسمح القانون بالتفويض ، فإذا منح القانون الاختصاص إلى جهة معينة ليس لهذه الجهة التنازل عن هذا الاختصاص أو تفويضه إلى سلطة أخرى إلا إذا أجاز القانون ذلك.
2- التفويض يجب أن يكون جزئياً ، فلا يجوز أن يفوض الرئيس الإداري جميع اختصاصاته لأن هذا يعد تنازلاً من الرئيس عن مزاولة جميع أعماله التي أسندها إليه القانون .
3- يبقى الرئيس المفوض مسؤولاً عن الأعمال التي فوضها بالإضافة إلى مسؤولية المفوض إليه ، تطبيقاً لمبدأ أن التفويض في السلطة لا تفويض في المسؤولية .
و المرؤوس المفوض إليه لا يسأل عن تصرفاته بشأن السلطات المفوضة إليه إلا أمام رئيسه المباشر الذي قام بالتفويض و لا تنصرف المسؤولية إلى أعلى منه و فقاً لمبدأ وحدة الرئاسة و الأمر .
4- لا يجوز للمفوض إليه أن يفوض غيره ، فالتفويض لا يتم إلا لمرة واحدة، ومخالفة هذه القاعدة تجعل القرار الإداري الصادر من المفوض إليه الثاني معيباً بعدم الاختصاص .
5- التفويض مؤقت و قابل للرجوع فيه من جانب الرئيس لأن الأصل هو عدم التفويض و الاستثناء هو التفويض.
و تثار بشأن التفويض مشكلة سلطة الجهة المفوضة " بكسرلواو " على اختصاصات المفوض إليه " المرؤوس" فهل للسلطة صاحبة الاختصاص الأصلي أن تلغي قرارات السلطة المفوض إليها .
ذهب جانب من الفقهاء إلى عدم السماح بتوجيه تعليمات إلى المرؤوسين تتعلق بالاختصاص المفوض إليهم على أساس أن الموظف الذي قام بالتفويض لا يعتبر رئيسياً إدارياً بالنسبة للقرارات الصادرة طبقاً للتفويض على أساس أن المرؤوس يعتبر كأنه الرئيس نفسه وعندئذ فإن قراراته واجبة الاحترام.
بينما ذهب جانب آخر من الفقهاء إلى أن الأصيل يبقى له الحق في التعقيب على القرارات الصادرة عن المفوض إليه إذا كان الأخير مرؤوساً له ، لأن التفويض لا يقطع العلاقة الرئاسية بين الرئيس والمرؤوس ولا يحول دون ممارسة الرئيس لاختصاصه في التوجيه والرقابة السابقة واللاحقة على أعمال مرؤؤس.
و قد يحصل بعض الخلط بين التفويض والحلول لأن الاثنين يساهمان في تسهيل سير العمل الإداري وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد كما أن كل منهما يعني ممارسة أحد الموظفين لاختصاصات موظف آخر .
إلا أن هناك الكثير من أوجه الاختلاف بين الحلول والتفويض فالحلول يكون في حالة غياب صاحب الاختصاص الأصيل أياً كان سبب الغياب اختيارياً كما في حالة الإجازة أو إجبارياً كما في حال المرض فيحل محل الموظف في ممارسة هذه الاختصاصات من حدده المشرع. أما في حالة التفويض فإن الرئيس المفوض يكون حاظراً وليس غائباً .
كما أن التفويض يتحقق بقرار يصدر من الرئيس المفوض إلى المفوض إليه في حين لابد للحلول أن يقترن بنص وأن تكون أسبابه صحيحة ويصبح الحلول مستحيلاً إذا لم ينظمه المشرع .
وفي تفويض الاختصاص يأخذ القرار الصادر درجة المفوض إليه ، أما في الحلول فتكون القرارات الصادرة في مرتبة قرارات الأصيل الغائب .
و في التفويض يكون الرئيس المفوض مسؤولاً عن أخطاء المفوض إليه لأن الرئيس يمارس الرقابة الرئاسية على المفوض إليه بينما لا يكون الأصيل الغائب مسؤولاً عن أخطاء من حل محله لأنه لا يملك أي سلطة رئاسية بالنسبة لتصرفات الأخير ولأن مصدر سلطته القانون وليس الأصيل وحيث توجد السلطة توجد المسؤولية .
و من الملاحظ أن تفويض الاختصاص لا يعدو أن يكون تخفيفاً عن كاهل الرؤساء ومساعدتهم في تسيير أعمالهم وهذا الغرض لا يجعل المرؤوس ممارساً لاختصاص مانع للتعقيب والرقابة ، ونرى أنه لا مانع من قيام الرئيس المفوض بمراجعة قرارات مرؤوسيه وتوجيههم من خلال إصدار الأوامر والتعليمات التي تتعلق بالاختصاص المفوض ليطمئن إلى سلامة العمل من الناحية القانونية ، خاصة وإن مسؤولية الرئيس المفوض تبقى قائمة عما قام بتفويضه من اختصاص ، لأن لا تفويض في المسؤولية كما بينا سابقاً .
- أنواع التفويض : التفويض على نوعين " تفويض اختصاص و تفويض توقيع " :
1- تفويض الاختصاص :
هذا النوع من التفويض ينقل السلطة بأكملها إلى المفوض إليه ، وهذا يمنع الأصيل المفوض من ممارسة الاختصاص الذي تم تفويضه أثناء سريان التفويض و في هذه الصورة من التفويض تكون قرارات المفوض إليه في نطاق التفويض منسوبه إلى المفوض إليه و تأخذ مرتبة درجته الوظيفية ، و يوجه تفويض الاختصاص إلى المفوض إليه بصفتة لا بشخصه فلا ينتهي التفويض بشغل موظف آخر لوظيفة المفوض إليه.
2-تفويض التوقيع :
و هو تفويض شخصي يأخذ بعين الاعتبار شخصية المفوض إليه ، فهو ينطوي على ثقة الرئيس به ومن ثم فهو ينتهي بتغير المفوض أو المفوض إليه ، كما أن هذا التفويض يسمح للمفوض إليه بممارسة الاختصاصات المفوضة باسم السلطة " بكسرالولو " ولا يمنع ذلك من ممارسة الرئيس المفوض ذات الاختصاص رغم التفويض كما أن القرارات الصادرة في نطاق التفويض تأخذ مرتبة قرارات السلطة المفوضة .
3- التفويض والحلول :
يقتصر بالحلول أن يصبح صاحب الاختصاص الأصيل عاجزاً لسبب من الأسباب عن ممارسة اختصاصه كأن يصاب بعجز دائم أو بمرض أو غيره ، فيحل محله في مباشرة كافة اختصاصاته موظف آخر حدده القانون سلفاً، و قد يحصل الحلول بان تحل إحدى الجهات الإدارية محل جهة إدارية أخرى
رابعا : تقييم المركزية الإدارية
درج بعض الفقهاء على إبراز مزايا النظام المركزي بينما ذهب البعض نحو إبراز عيوبه ، ونعرض فيما يلي أهم تلك المزايا والعيوب
- مزايا المركزية الإدارية :-
1- النظام المركزي يقوي سلطة الدولة ويساعدها في تثبيت نفوذها في كافة أنحاء الدولة ، ولا شك أن هذا النظام له ما يبرره في الدول الناشئة حديثاً ، والتي تحتاج لتقوية و تدعيم لوحدتها.
2- يؤدي تطبيق نظام المركزية الإدارية إلى تحقيق وحدة أسلوب و نمط الوظيفة الإدارية في الدولة كما يؤدي إلى ثبات و إستقرار الإجراءات الإدارية و دقتها كما يساهم هذا النظام في القضاء على سبب من أسباب ظاهرة البيروقراطية المتمثل في كثرة الإجراءات
3- تحقيق العدل و المساواة في المجتمع لإشراف الحكومة المركزية على المرافق العامة و نظرتها الشمولية البعيدة عن المصالح المحلية.
4- المركزية أسلوب ضروري لإدارة المرافق العامة السيادية أو القومية التي لا يتعلق نشاطها بفئة معينة أو إقليم معين كمرفق الأمن أو الدفاع أو المواصلات .
5- المركزية تؤدي إلى توحيد النظم و الإجراءات المتبعة في كافة أنحاء الدولة كونها تتأتى من مصدر واحد ، مما يمكن الموظفين من الإلمام بكافة الأوامر و التعليمات اللازمة لتنفيذ الوظيفة الإدارية .
6- يؤدي نظام المركزية الإدارية إلى تحقيق الإقتصاد و توفير في الأموال و موارد الدولة و يساعد على عدم الإسراف و التبذير في الإنفاق العام .
- عيوب المركزية الإدارية :-
1- يؤدي هذا النظام إلى إشغال الإدارة المركزية أو الوزراء بمسائل قليلة الأهمية على حساب المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة لوزاراتهم .
2- المركزية تؤدي إلى زيادة الروتين والبطء في اتخاذ القرارات الإدارية المناسبة وفي الوقت المناسب ، لاستئثار السلطة المركزية بسلطة اتخاذ كافة القرارات في الدولة وبعد مصدر القرار في أكثر الأوقات عن الأماكن المراد تطبيق القرار فيها ، وغالباً ما تأتي هذه القرارات غير متلائمة مع طبيعة المشكلات المراد حلها .
3- المركزية الإدارية لا تتماشى مع المبادئ الديمقراطية القائلة بضرورة أن تدار الوحدات المحلية من خلال سكان هذه الوحدات عن طريق مجالس منتخبة من بينهم .
4- المركزية الإدارية وبسبب تركز السلطة بيد الوزراء وفئة قليلة من الرؤساء والإداريين في العاصمة تؤدي إلى قتل روح المثابرة والإبداع لدى الموظفين الآخرين لأن دورهم ينحصر بتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من السلطة المركزية ، وعدم مشاركتهم فيها .
- السلطة الإدارية المركزية في النظام الإداري الجزائري :
تتمثل السلطات الإدارية المركزية الجزائرية التي لها الصفة القانونية لإتخاذ القرارات الإدارية النهائية بخصوص مسائل الوظيفة الإدارية بإسم و لحساب الدولة الجزائرية تتمثل في رئيس الجمهورية في حدود إختصاصاته و وظائفه الإدارية فقط يعاونه في ذلك أجهزة تنفيذية و إستشارية تابعة له و خاضعة لسلطاته الرئاسية المباشرة و تتمثل تلك الهيئات في رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة و الوزاراء كل في حدود إختصاصات وضائفه الوزارية و يساعد كل وزير في إختصاصاته المركزية أجهزة إدارية و إستشارية و تنفيذية تابعة له و خاضعة لسلطاته الرئاسية كما تتمثل سلطات الإدارة المركزية الجزائرية في الولاة في حدود إختصاصاتهم الإدارية المركزية .
- سلطات و إختصاصات رئيس الجمهورية الإدارية :
يعتبر رئيس الجمهورية رئيس السلطة التنفيذية يموجب الدساتير الصادرة إلى حد الآن ، ذلك أن النظام السياسي الجزائري كان نظاما دستوريا مغلقا في ظل دستور 1963 و دستور 1976 و نظاما شبه رئاسي في ظل دستور 1989 و دستور 1996 ، و عليه فرئيس الجمهورية في نطاق وظائفه و إختصاصاته الإدارية يعد الرئيس الإداري الأعلى في بناء و هيكل النظام الإداري الجزائري إذ يملك حق و سلطة إصدار القرارات الإدارية الباتة و النهائية بإسم الدولة الجزائرية و لحسابها تكون نافذة على مستوى كل الإقليم الجزائري .
إختصاصات و وظائف رئيس الجمهورية :
يقوم رئيس الجمهورية في النظام الدستوري الجزائري بمهام و مسؤوليات كبرى ، إذ يملك صفة و سلطة إصدار القرار