المبحث الثالث
التعريف بأهم أنواع العقود الإدارية
تبرم الإدارة أنواعاً مختلفة من العقود الإدارية، منها عقود نظمها المشرع بأحكام خاصة ونص عليها في القانون المدني ومنها ما ورد عليه النص في لائحة العقود الإدارية، ومنها ما ترك تحديده للقضاء الإداري .
وفي هذا المبحث سنتناول أهم ثلاثة عقود إدارية أشارت إليها اغلب التشريعات العربيه ,
1- عقد الالتزام أو الامتياز .
2- عقد الأشغال العامة .
3- عقد التوريد .
أولاً : عقد الالتزام أو الامتياز :
يعد عقد الالتزام من أهم العقود الإدارية، لأنه يمنح فرد أو شركة الحق بإدارة واستغلال مرفق من المرافق العامة .
عرفته محكمة القضاء الإداري المصرية بقولها ".. إن التزام المرافق العامة ليس إلا عقداً إدارياً يتعهد أحد الأفراد أو الشركات بمقتضاه بالقيام على نفقته وتحت مسئوليته المالية بتكليف من الدولة أو إحدى وحداتها الإدارية، وطبقاً للشروط التي توضع لها، بأداء خدمة عامة للجمهور، وذلك مقابل التصريح له باستغلال المشروع لمدة محددة من الزمن واستيلائه على الأرباح ". ( )
وقد ثار بشأن طبيعة عقد الالتزام خلاف فقهي كبير، إذ ذهب فريق من الفقهاء " الألمان" إلى القول أنه عمل من جانب واحد هو الإدارة. وعلى ذلك فأن آثاره لا تنشأ عن عقد وإنما عن أمر انفرادي تصدر السلطة بإرادتها المنفردة، وتملك تعديله أو إلغائه.
ولم يصادف هذا الرأي القبول لأنه ينفي دور الملتزم في تحديد شروط الالتزام ودور إرادته في إبرامه . ( )
وانقسم الفقه الفرنسي إلى اتجاهين ذهب الأول نحو اعتبار عقد الالتزام من عقود القانون الخاص ، متجاهلاً خصائصه المميزة من حيث منحه الملتزم سلطات من طبيعة خاصة من قبيل سلطته في فرض أعباء مالية على المنتفعين بالمرفق وسلطته في شغل الدومين العام وما إلى ذلك من امتيازات أخرى ويوفرها له نظام القانون العام .
أم الاتجاه الثاني ويتزعمه الفقيه Duguit فيعتبر الالتزام عملاً قانويناً مركباً يشتمل على نوعين من النصوص الأول منها يتعلق بتنظيم المرفق العام وبسيره، وتملك الإدارة تعديل هذه النصوص وفقاً لحاجة المرفق . أما النوع الثاني من النصوص فيسمى بالنصوص أو الشروط التعاقدية التي تحكمها قاعدة " العقد شريعة المتعاقدين " ومنها ما يتعلق بتحديد مدة الالتزام والالتزامات المالية بين المتعاقدين ولا تتعدى ذلك لتشمل أسلوب الخدمات للمنتفعين .
وقد لاقى هذا الرأي ترحيباً في القضاء الإداري في فرنسا ومصر اذ أن المسلم به فقها وقضاء إن شروط عقد التزام المرفق العام تنقسم إلى نوعين : شروط لائحية وشروط تعاقدية . الشروط اللائحية فقط هي التي يملك مانح الالتزام تعديلها بإرادته المنفردة في أي وقت وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، دون أن يتوقف ذلك على قبول الملتزم. والمسلم به إن التعريفة أو خطوط السير وما يتعلق بهما، من الشروط اللائحية القابلة للتعديل بإرادة مانح الالتزام المنفردة.
وقد سعى المشرع العراقي نحو تنظيم أحكام عقد الالتزام ليكفل حسن سير المرفق محل الالتزام ومن ذلك ما نص عليه ا القانون المدني العراقي بخصوص المساواة بين المنتفعين في المرفق .
وتمارس الإدارة في مواجهة الملتزم سلطة الرقابة والإشراف على ممارسة عمله وفقاً لشروط العقد والقواعد الأساسية لسير المرافق العامة .
على أن لا تصل سلطة الإدارة في إصدار قراراتها بمناسبة سلطة الرقابة حدا يغير من طبيعة الالتزام وتعديل جوهره أو أن تحل محل الملتزم في إدارة المرفق وإلا خرج عقد الالتزام عن مضمونه، وتغير استغلال المرفق إلى الإدارة المباشرة .
ثانياً : عقد الأشغال العامة :
عرفت احكام القضاء الاداري المختلفه عقد الأشغال العامة بانه عقد مقاولة بين شخص من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة بمقتضاه يتعهد المقاول بعمل من أعمال البناء أو الترميم أو الصيانة مقابل ثمن يحدد في العقد .( )
ومن هذا التعريف يتبين أنه يتميز عقـد الأشغال العامـة بتوافر العناصر التالية:
1- أن يتعلق موضوع العقد بعقار . ويشمل ذلك أعمال البناء والترميم والصيانة الواردة على عقار . وكذلك بناء الجسور وتعبيد الطرق وما إلى ذلك .
ويخرج من نطاق الأشغال العامة العقود الواردة على منقول مهما كانت ضخامته , فلم يعتبر القضاء الإداري في فرنسا من عقود الأشغال العامة الاتفاقات التي يكون محلها إعداد أو بناء أو ترميم سفينة أو حظيرة متحركة للطائرات .( )
وقد توسع مجلس الدولة الفرنسي في مفهوم الأشغال العامة وأدخل في اختصاصه كثيراً من العقود التي تتعلق بصيانة الأموال العامة من قبيل أعمال التنظيف والرش في الطرق العامة، وعقود توريد ونقل المواد اللازمة للأشغال العامة، وكذلك عقود تقديم مساعدة مالية أو عينية لتنفيذ أشغال عامة .( )
2- أن يتم العمل لحساب شخص معنوي . سواء كان العقار محل الأشغال مملوكاً لشخص عام أم مملوكاً لشخص من أشخاص القانون الخاص لكن العمل قد تم لحساب شخص معنوي عام .( )
كذلك اعترف القضاء الإداري الفرنسي بصفة الأشغال العامة لأشغال المرافق العامة الصناعية والتجارية التي تدار بالإشراف مباشر من مؤسسات عامة .( )
أو الأشغال التي تقوم بها البلدية من تلقاء نفسها في عقار مهدد بالسقوط لكفالة الطمأنينة العامة.( )
3- أن يكون القصد من الأشغال تحقيق نفع عام .
في البداية كان مفهوم الأشغال العامة يقتصر على الأشغال التي تتعلق بعقارات تدخل في ضمن نطاق الدومين العام أما الأعمال التي تجري على عقارات تدخل في نطاق الدومين الخاص فلا تعد عقوداً إدارية .
إلا أن قضاء مجلس الدولة الفرنسي لم يستقر على هذا المبدأ فعمد إلى توسيع مفهوم الأشغال العامة ليشمل الأعمال المتعلقة بعقارات مخصصة للنفع العام ولو كانت داخله ضمن نطاق الدومين الخاص .
ومن ذلك في قضية Commune de Monsegur في 10-6-1921 بخصوص تعويض قاصر عن حادث أصيب به كنسية البلدية مدينة منسيجور إذ ورد " .. إذا كان مرفق العبادة لم يعد مرفقاً منذ قانون 9 ديسمبر سنة 1905 بفصل الكنائس عن الدولة فتنص المادة 5 من قانون 2 يناير سنة 1907 على أن تستمر المباني المخصصة لممارسة العبادة ـ في غير حالات إزالة التخصيص المنصوص عليها في قانون 9 ديسمبر سنة 1905 ـ متروكة تحت تصرف المؤمنين والمكلفين بإقامة شعائر العبادة لممارسة ديانتهم ، وأنه يترتب على ذلك إن الأشغال التي تنفذ في الكنيسة لحساب شخص عام من أجل غرض ذي نفع عام تحتفظ بصفة الأشغال العامة وتدخل الدعاوي الموجهة ضد البلديات بسبب الأضرار الناشئة عن عدم صيانة الكنائس في اختصاص مجلس الأقاليم باعتبارها مرتبطة بتنفيذ أحد الأشغال العامة".
ويتميز عقد الأشغال العامة في أن الإدارة تملك سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقد في أوسع مدى لها، إذ تملك سلطة توجيه العمال واختيار طريقة التنفيذ، كما يجوز للإدارة أن تعدل الشروط الأصلية للعقد بما يحقق المصلحة العامة .
ثالثاً : عقد التوريد :
عرفت محكمة القضاء الإداري المصرية عقد التوريد بأنه " إتفاق بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة يتعهد بقتضاه الفرد أو الشركة بتوريد منقولات معينة للشخص المعنوي لازمة لمرفق عـام مقابل ثـمن معين ."( )
ومن ذالك يتبين انه يشترط في هذا العقد مايلي :
1- موضوع عقد التوريد أشياء منقولة دائما، وهو ما يميزه عن عقد الأشغال العامة الذي يتعلق بالعقارات والعقارات بالتخصيص، ومن قبيل هذه المنقولات توريد مواد التموين والأجهزة والبضائع المختلفة الأخرى .
2- اتصال العقد بمرفق عام وتضمنه شروطاً استثنائية غير مألوفة، وإلا فأن العقد يعد من عقود القانون الخاص.ٍ
ويستوي بالنسبة لعقد التوريد أن يتم دفعة واحدة أو علي دفعات متعددة ، وقد أفرز التطور الصناعي ظهور عقود جديدة دخلت ضمن نطاق عقد التوريد، تتعلق بتسليم منقولات بعد صناعتها وسميت هذه العقود بعقود التوريد الصناعية Marches industriels والتي تقسم بدورها إلى نوعين من العقود: عقود التصنيع arches de fabrication وعقود التعديل والتحويل Marches de donversion et transfomration .( )
الفصل الثالث
إبرام العقــود الإداريـــة
لا تملك الإدارة حرية واسعة عند التعاقد، مثلما هو الحال في إبرام الأفراد عقودهم. إذ فرض المشرع جملة من القيود و الإجراءات تلتزم الإدارة بأتباعها حفاظاً على المصلحة العامة و المال العام.
وقد أكدت محكمة القضاء الإداري المصرية هذا الاتجاه عندما قضت" من حيث أن الأصل في كيفية إبرام العقود الإدارية و التي يشتد فيها القيد على حرية جهة الإدارة عند تعاقدها يرجع إلى أن الشارع هو الذي يستقل ببيان طريقة إبرام العقود العامة وهو في هذا السبيل يسعى إلى إدراك هدفين كبيرين الأول: تحقيق أكبر وفر مالي للخزينة العامة ، وهذا يستلزم بداهة التزام جهة الإدارة اختيار المتعاقد الذي يقدم أفضل الشروط والضمانات المالية والثاني : مراعاة المصلحة الإدارية ويتطلب تبعاً لذلك تمكين جهة الإدارة من أن تختار أكفاً المتقدمين لأداء الخدمة التي تحرص هي على تحقيقها ".( )
وسنتناول في هذا الفصل طرق وأساليب اختيار المتعاقد مع الإدارة ثم نبحث في إجراءات التعاقد وفقاً لما ورد بهذه اللائحة وفي مبحثين.
المبحث الأول
طرق إبرام العقود الإدارية
تتبع إدارة أساليب عدة في إبرام عقودهما الإدارة.وفي هذا المجال بينت لائحة العقود الإدارية طرق أساسية لإبرام العقود الإدارية أوردتها المادة العاشرة من اللائحة هي:
1- المناقصة .
2- الممارسة .
3- التكليف المباشرة.
4- المزايدة العامة .
أولاً : المناقصة :
يقوم نظام المناقصة على أساس وجود عدد من الراغبين في التعاقد مع الإدارة، يتنافسون فيما بينهم لتقديم العطاءات تختـار الإدارة أفضلها سعراً وشروطاً. ( )
وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب عندما تريد الحصول على الخدمات و السلع مثلما وهو الحال في العقود الأشغال العامة و التوريد، ولا يجوز العدول عن أسلوب المناقصة إلا في حالات خاصة.
إذ ورد في المادة الحادية عشر "تبرم عقود الأشغال، وعقود التوريد وغيرها من التوريد وغيرها من العقود الإدارية – بصفة عامة – بطريقة المناقصة العامة ولا يجوز العدول عن طريق المناقصة العامة إلى طريق آخر من طرق التعاقد .. إلا لمقتضى يستند إلى أحكام هذه اللائحة."
وتقوم المناقصة على ثلاثة مبادئ رئيسية هي:
1- الإعلان عن المناقصة .
2- حرية المنافسة.
3- المساواة بين المتنافسين.
1.الإعلان عن المناقصة :
إعلان الإدارة عن رغبتها بالتعاقد شرط ضروري لضمان فرص متساوية للراغبين بالتعاقد تتيح لهم تقدير كلفة المشروع موضوع العقد ونوع الخدمات المراد تقديمها وشروطها.
إذا يتوجب على الإدارة أن تضع مواصفات تفصيلية كاملة وجداول الكميات التي تبين للأفراد البنود و الإجراءات الواجب اتباعها في تنفيذ العقد و الجزاءات التي يمكن توقيعها على المتعاقد في حالة الإخلال بأحكامه أو التأخر في تنفيذه.إضافة إلى صفة المناقصة وشروط العقد العامة.( )
وتتولى لجنة العطاءات الإعلان عن المناقصة بناء على قرار الجهة المختصة بعد التحقق من صدور الأذن من الجهة المختصة.
2.حرية المنافسة :
من مقتضيات هذا المبدأ إعطاء الحق لكل المقاولين أو الموردين المنتمين للمهنة التي تختص بنوع النشاط الذي تريد الإدارة التعاقد عليه، أن يتقدموا بعطاءاتهم بقصد التعاقد مع أحدهم وفق الشروط التي تضعها هي. ( )
ولا يجوز للإدارة أن تبعد أياً من الراغبين في التعاقد و المنتمين إلى هذه المهنة من الاشتراك في المناقصة.
ويقوم أساس المنافسة الحرة في نظر الأستاذ De Laubadere على فكرة الليبرالية الاقتصادية القائمة على حرية المنافسة، وفكرة المساواة بين الأفراد في الانتفاع من خدمات المرافق العامة.( )
بالإضافة إلى أن هذا المبدأ يقوم على أساس وقوف الإدارة موقفاً حيادياً إزاء المتنافسين، فهي ليست حرة في استخدام سلطتها التقديرية بتقدير فئات المقاولين التي تدعوها وتلك التي تبعدها.( )
إلا أن هذا المبدأ لا يسري بإطلاقه،إذ ترد علية قيود تقتضيها المصلحة العامة،تسمح للإدارة إبعاد بعض الراغبين بالتعاقد مؤقتا أو نهائيا من التعاقد مع الإدارة.
3.المساواة بين المتنافسين:
يقوم هذا المبدأ على أساس أن جميع المتقدمين بعطاءاتهم يكونوا على قدم المساواة مع بقية المتنافسين، وليس للإدارة أن تقيم أي تمييز غير مشروع بينهم فلا تطلب من أحدهم ما لا تطلبه من غيرهم.( )
إلا أن هذا القيد لا ينبغي تعميمه، إذ أن الإدارة تستطيع أن تفرض شروطاً إضافية على المتقدمين إليها تضمن توفر خبرات خاصة أو تطلب وثائق أو شهادات معينة لا تتوفر إلا لفئة معينة من الراغبين في التعاقد.
ناهيك عن أن الإدارة تملك إعفاء بعض المتقدمين من بعض الشروط كإعفاء الشركات الوطنية من التأمين الابتدائي الواجب تقديمه أو شرط توافـر القدرة المالية .
و المناقصات تقسم على أنواع منها المناقصة العامة و المناقصة المحدودة :
المناقصة العامة هي تلك التي يعلن عنها لجميع الراغبين في التعاقد مع الإدارة دون تعيين، وهي القاعدة العامة في المناقصات وتقوم على أساس المبادئ الأساسية التي سبق ذكرها. وعرفتها لائحة العقود الإدارية بأنها هي التي يعلن عنها لجميع أدوات التنفيذ بقصد الوصول إلى أصلح عرض .."( )
و المناقصة العامة أما أن تكون مناقصة داخلية أو محلية وأما أن تكون مناقصة دولية وتتبع في المناقصة المحلية إجراءات المناقصة العامة ذاتها من حيث وجوب المساواة بين المتقدمين وحرية المنافسة فضلاً عن الإجراءات الأخرى، لكن المناقصة تختلف في أن المشاركة فيها تقتصر على الشركات المحلية و المقاولين المحليين الذين يختارون من بين المقيدة أسماؤهم في السجلات المعدة لذلك وهي على ذلك يعلن عنها بالنشر في وسائل الأعلام المحلية.
في حين يعلن عن المناقصة العامة أو الدولية عن طريق النشر في وسائل الإعلام المحلية و العالمية، ويتعلق هذا النوع من المناقصات ببعض العقود المهمة التي تتطلب قدراً عالياً من الخبرة، التي لا تتوفر في الشركات المحلية، فيسمح باشتراك الأفراد و الشركات الأجنبية.
أما المناقصات المحدودة، فهي المناقصات التي يقتصر الاشتراك فيها على جهات أو أشخاص يختارون عن طريق قائمة تعدها الإدارة بأسمائهم ولا يحق لمن هم خارج هذه القائمة المشاركة إلا في حالات استثنائية.( )
وهذه القائمة تعد بناء على توافر شروط معينة تقررها الإدارة من حيث المقدرة المالية للشركات أو خبرتها الفنية في الأعمال المماثلة، وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب في حالات الضرورة ولاعتبارات تعود إلى طبيعة المشروعات التي ترغب الإدارة بإنجازها، و التي تتطلب قدرة من الخبرة و الكفاية، مثلما هو الحال في إنشاء الجسور و الأنفاق و المصافي ... ألخ .
ثانياً : الممارسة :
يمكن للإدارة أن تلجأ إلى طريق أخر في إبرام عقودها هو طريق الممارسة، ويتم بتقديم العروض أو الاتصال بجهات أو أشخاص متخصصين و التفاوض معهم للوصول إلى أفضل الشروط و الأسعار للتعاقد.( )
ويتميز هذا الأسلوب باختصار الإجراءات الطويلة التي يستغرقها غالباً طريق المناقصة، بالإضافة إلى طابع العلنية من خلال معرفة جميع الراغبين بالتعاقد بالأسعار التي يقدمها المنافسون، و التفاوض العلني للوصل إلى الاتفاق، مثلما هو الشأن بالنسبة لعقود القانون الخاص.
ثالثا: التكليف المباشر :
تملك الإدارة أيضاً حرية التعاقد مع الجهات بصورة مباشرة دون اتباع إجراءات خاصة، بإصدار أمر الشراء أو التكليف بالأعمال مباشرة من المختص بتوقيع العقود في الوحدات الإدارية، وفق ما يسمى بطريقة التكليف المباشر، وتلجأ الإدارة لهذا الأسلوب في أحوال معينة استثناء.
رابعاً المزايدات :
تسلك الإدارة طريق المزايدة في إبرام العقود الإدارية المتعلقة ببيع الأشياء التي تستغني عنها الإدارة أو التي يتقرر بيعها وفقاً للقانون، وتتم عن طريق تقديم عطاءات أو عروض للشراء أو بطريق المناداة للوصول إلى أعلى الأسعار.( )
المبحث الثاني
إجراءات التعـــاقـــد
يمر التعاقد في العقود الإدارية بأربع مراحل، حددها المشروع في لائحة العقود الإدارية وأوجب اتباعها وهي :
المرحلة الأولى : استيفاء الإجراءات الشكلية السابقة على التعاقد.
المرحلة الثانية : تقديم العطاءات.
المرحلة الثالثة : فظ المظاريف و البت فيها.
المرحلة الرابعة : إبرام العقد .
المرحلة الأولى : استيفاء الإجراءات الشكلية السابقة على التعاقد.
يتطلب القانون أن تستكمل الإدارة بعض الإجراءات الشكلية قبل إبرام العقد وأهمها :
1- الاعتماد المالي.
2- دراسة الجدوى .
3- الحصول على تصريح بالتعاقد.
1) الاعتماد المالي :-
الإدارة لا تستطيع التعاقد أو إجراء أي تصرف يرتب عليها التزامات مالية، ما لم يتوفر لديها الاعتماد المالي اللازم، كذلك تلتزم الإدارية أن بعدم تجاوز حدود هذا الاعتماد المالي. ويترتب على مخالفة الإدارة لهذا الالتزام مسئوليتها القانونية.
وقد أوجبت المادة الثامنة من لائحة العقود الإدارة تراعي الجهات الإدارية حدود الاعتماد قبل إبرام أي عقد من العقود الإدارية باستثناء الأعمال أو المشروعات التي تتم بالجهد الذاتي أو التطوعي أو العمل الجماعي المنظم، ولا يجوز التعاقد على أي عمل أو مشروع غير مدرج بالخطة أو الميزانية. كما لا يجوز التعاقد إلا في حدود الاعتمادات المدرج بالخطة و الميزانية للعمل موضوع العقد.
وهنا لابد من التساؤل حول مآل العقد الذي يبرم مخالفاً لشرط توافر الاعتماد المالي أو متجاوزا لحدوده .
وفي هذا المجال نجد أن القضاء و الفقه الإداريين قد أستقرا على اعتبار تصرف الإدارة بإبرام عقودها الإدارية بهذه الظروف يكون صحيحاً وملزماً لإطرافه( ) مع ما يشكله من استحالة تنفيذ الإدارة لالتزاماتها المالية في مواجهة المتعاقد معها مما يرتب مسئوليتها القانونية.
وقد بررالقضاء الاداري القضاء ذالك بضرورة حماية الأفراد في تعاقدهم مع الإدارة كون علاقتهم مع الإدارة فردية وليست تنظيمية مع وجوب عدم زعزعة الثقة الإدارية.
ووفقاً للقواعد العامة في التعاقد لا يمنع تعاقد الإدارة في هذه الحالة، من مطالبة المتعاقد فسخ العقد لعدم تنفيذ الإدارة التزاماتها المالية المستحقة لصالحها مع التعويض إذا كان لها مقتضى .
2) دراسة الجدوى :
يوجب المشرع قبل المباشرة بأي إجراء من الإجراءات التعاقد دراسة موضوع العقد وإجراء استشارات متعددة في سبيل إنجاز المشروعات وفقاً للمواصفات المطلوبة في الخطة مع مراعاة حدود الاعتماد المالي المخصص.
ونعتقد أن هذه الضوابط لا تعدو أن تكون توجيهات للإدارة تستنير بها قبل الإقدام على التعاقد ومع نص المشرع على وجوب اتباعها، لا يترتب على مخالفة ذلك اعتبار العقد باطلاً.إذ أن دراسة الجدوى من التعاقد في هذين النصين لا تبلغ حد الاستشارة الإلزامية أو الأذن بالتعاقد. ولا يترتب على مخالفة الإدارة لهذه الضوابط إلا مسئوليتها أمام السلطة الإدارية العليا.
3)التصريح بالتعاقد :
يشترط قبل إبرام العقد الإداري الحصول على أذن الجهة المختصة التي يحددها القانون، وبعكس ذلك لا يجوز للإدارة مباشرة أي إجراء من إجراءات التعاقد .
ويترتب على ذلك أن العقد الذي تبرمه الإدارة دون الحصول على الأذن معدوما من الناحية القانونية ولا يجوز تصحيحه بصدور إذن لاحق.
وعلى ذلك لا تتوافر الرابطة التعاقدية بين الإدارة و الطرف الأخر، ويملك هذا الأخير المطالبة بالتعويض الذي لحق به على أساس المسئولية التقصيرية إذا كان له مقتضى.
المرحلة الثانية : تقديم العطاءات :
خلال المدة التي يحددها الإعلان يتقدم الراغبون بالتعاقد بعطاءاتهم، ولا يعتد بالعطاءات بعد هذه المدة.
إلا إذا قررت لجنة العطاءات تمديد مدة قبول العطاءات لأسباب تتعلق بقلة عدد العطاءات المقدمة بالنسبة لأهمية المشروع، أو عندما تطلب مد الميعاد أغلبية الشركات أو المنشآت التي دعيت للمناقصة أو طلب ذلك عدد كبير من الشركات أو المنشآت الراغبة في التقدم للمناقصة.
محتويات العطاء:
وإذا تم تقديم العطاء فيجب توافر مجموعة من المعلومات و المواصفات التي يتعلق بعضها بالراغب بالتعاقد بينما يتعلق القسم الأخر بالمشروع موضوع المناقصة. وهذه المعلومات ينبغي أن تكون واضحة ودقيقة بشكل لا يسمح بوجود لبس أو تفسير خاطئ.
وقد استقر التعامل على وجوب احتواء العطاء على ما يأتي : أولاً : اسم ولقب وعنوان الراغب بالتعاقد وتوقيعه شخصياً على العطاء. وإذا كان مقدم العطاء شركة فيجب تقديم عقد تأسيس هذه الشركة ونوعها ومقدار رأس مالها .
ثانياً : بيان طريقة وأسلوب إنجاز المشروع ونوع المكائن و الآلات التي يعتزم الراغب بالتعاقد استعمالها في التنفيذ
ثالثا : قائمة تتضمن الأعمال المماثلة التي قام به مقدم العطاء.
رابعاً: الوثائق التي تؤيد أن مقدم العطاء غير محروم من التعامل مع الجهات الإدارية أو مستبعد من التقدم للتعامل معها وأنه لم يسبق أن أدين بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة
خامساً: قائمة بالأسعار التي يقترح الراغب بالتعاقد، التعاقد بها.
سادساً: أن يرفق مع العطاء التأمين الابتدائي أو المؤقت.
ولا يلتفت إلى العطاءات غير مصحوبة بهذا التأمين في الكثير من التشريعات وبعضها يستعيظ عنه بخطاب ضما وهذا الشرط يضمن جدية التقدم للمناقصة، وهو من الشروط الأساسية للنظر في العطاء، ومع ذلك يجوز لمقتضيات المصلحة العامة وبموافقة الجهة طالبة التعاقد النظر في العطاءات غير مصحوبة بالتأمين ابتدائي، إذا ما قدم صاحب العطاء أشعار من المصرف بمباشرته إجراءات إصدار التأمين.
التزام المتقدم بالعطاء بالبقاء على أيجابه :
استقر القضاء و الفقه على أن إعلان الإدارة عن المناقصة يعد دعوة الإدارة.( )
وقد درجت دفاتر الشروط العامة التي تحيل إليها العقود الإدارية وترفق في الغالب مع العطاءات المقدمة من الراغب بالتعاقد، على النص على التزام مقدم العطاء بالبقاء على أيجابه حتى نهاية المدة المحددة لسريان العطاءات.
وذهب مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر في 9-7-1919 في قضية Crande إلى وجوب التزام مقدم العطاء بعطائه وعدم سحبه حتى ولو لم يتضمن دفتر الشروط هذا المبدأ إذ ورد فيه" منذ لحظة تقديم العطاء يلزم المتقدمون نهائياً تجاه البلدية، وبناء على ذلك فادعاء السيد Crande بأنه أبدى رغبته بسحب عطائه أمر لا قيمة له".( )
واتبعت محكمة القضاء الإداري المصري الاتجاه ذاته في حكمه الصادر في 24-2-1957 عندما قررت أن المدعي في وقائع هذه الدعوة قصد الارتباط بعطائه إلى الوقت الذي تفتح فيه المظاريف، ويخطر صاحب العطاء بقبول عطائه من عدمه.( )
ويلتزم المتقدم بالبقاء على أيجابه حتى تعلن نتيجة المناقصة إذ يتحرر مقدموا العطاءات جميعاً باستثناء من ترسو عليه المناقصة الذي يظل ملتزماً بعطائه إلى أن يتم اعتماد المناقصة.
وقد استقر الفقه و القضاء على أن التزام مقدم العطاء بالبقاء على أيجابه مصدره إرادته المنفردة.( )
ومن هؤلاء الفقيه De laubadere الذي ذهب إلى أن الالتزام الناتج عن العطاء إنما هو في الحقيقة، التزام انفرادي ويؤيد رأيه ذلك بقوله :" أن بعض فقهاء القانون الخاص يرون أن المتقدم بالعطاء في القانون المدني يلتزم بالعطاء عندما يحدد مدة لذلك يلتزم خلالها. فأن لم يحدد مدة جاز له سحب عطائه متى شاء عكس ما يحصل في المناقصات العامة حيث لا يستطيع المتقدم للتعاقد مع الإدارة سحب عطائه ".( )
المرحلة الثالثة : فض المظاريف و البت فيها :
وفي اليوم المحدد لفض المظاريف تقوم اللجنة المركزية للعطاءات أو اللجنة الفرعية لها بفتح صندوق العطاءات في تمام الساعة الثانية عشر، لفحص كل عطاء على حدة بعد ترقيمه و التحقق من سلامة الأختام، ثم يقرأ اسم مقدم العطاء وقيمته الإجمالية بحيث يسمعه الحاضرون من مقدمي العطاءات ويدون ذلك بمحضر الجلسة .
بعد ذلك يجري إرساء المناقصة على صاحب العطاء الأفضل شروطاً و الأقل سعراً من بين العطاءات الأخرى، كقاعدة عامة. ومع ذلك يجوز للجنة أن ترسي المناقصة على مقدم أنسب العروض ولو لم يكن أقلها سعراً لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة، مع ضرورة أن تتمثل هذه الأسباب بعوامل جدية تتعلق بطبيعة الأعمال موضوع المناقصة وقيمتها ومواصفاتها، على أن لا يكون الفارق في الأسعار بين أنسب العروض المقدمة وأقلها سعراً كبيراً ويجب أن يكون قرار اللجنة باعتماد هذا العطاء مسبباً.( )
كذلك أذا كان العطاء الأقل سعراً مصحوباً بتحفظات فيجوز للجنة أن تفاوض صاحب العطاء لينزل عن تحفظاته كلها أو بعضها، فإذا رفض جاز التفاوض مع من يليه من مقدمي العطاء. أما إذا تساوت الأسعار بين عطائين أو أكثر فأنه يجوز تجزئة المقادير أو الأعمال موضوع المناقصة بين مقدميها إذا كان ذلك في الصالح العام. ( )
المرحلة الرابعة :إبرام العقد
إرساء المناقصة لا يعني إلزام الإدارة بإبرام العقد مع من رسى عليه العطاء فلا يعد قرار الإرساء آخر إجراءات التعاقد وإنما هو إجراء تمهيدي ينتهي بصورة قرار باعتماد الإرساء من الجهة المختصة.( )
لا نزاع في أن للجهات الإدارية السلطة تقديرية في إبرام العقود بعد فحص العطاءات وإرسائها على المتعهدين، ذلك أن تطرح المناقصة في السوق وتقديم العطاءات عنها وفحصها وإرسائها على صاحب أفضل عطاء كل ذلك ما هو إلا تمهيد للعقد الذي تبرمه الحكومة مع المتعهد ومن ثم فهي تملك كلما رأت أن المصلحة العامة تقضي بذلك إلغاء المناقصة و العدول عنها دون أن يكون لصاحب العطاء أي حق في إلزامها بإبرام العد أو المطالبة بأي تعويض عن عدم إبرامه.