رابعاً: المدارس العلمية للإدارة:
الإدارة الحديثة كغيرها من العلوم لها نشأة وبداية ثم بعد ذلك أخذت في التطور والتقدم، وهي كما ورد سابقاً من العلوم المتطورة على مر العصور لأنها مرتبطة بنشاط الإنسان، والإنسان نشاطه متجدد في كل لحظة وحين.
((فالإدارة الحديثة، بدأت كعلم حديث منذ عام 1332م عندما طرح المفكر العربي الكبير ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أفكاره العظيمة في الإقتصاديات المرتبطة بأداء الأعمال مما يجعله أباً لهذا العلم، وفي أوائل القرن الحالي بدأت الحركات الفكرية في علم الإدارة انطلاقاً من الأساسيات التي أثارها ابن خلدون، ليصبح للإدارة الحديثة مبادئ وأسس علمية)). تبلورت من خلال المدارس العلمية التي ساهمت كثيراً في تطور الإدارة الحديثة وتطور الفكر الإداري. وذلك على النحو التالي:
1) المدرسة التقليدية ( الكلاسيكية ):
هذه المدرسة تعتمد أساساً على عناصر العمل والهياكل التنظيمية، وتقوم على تحديد السلطة والمسؤلية ونطاق الإشراف والرقابة، وهذا ماجعل هذه المدرسة التقليدية أكثر حرصاً على ترشيد ممارسات أعضائها، وتنظر هذه المـدرسة للنظم على أنها نظم مـغلقة. بمعنى أنها ترى بعيداً عن ظروف العمل المحيطة ومن نماذجها البيروقراطية وتقسيم العمل مما يجعلها غير ديمقراطية في الأمر الإداري والسلطة والتوجيه والرقابة.
ومن ورواد هذه المدرسة: آدم اسمث، وتايلور، وفايول، وقد إتصفت هذه المدرسة بأنها تقوم على تنفيذ عدد من الوظائف والمهام، وتشمل هذه الوظائف والمهام عمليات التخطيط والتنظيم والتوجيه والإشراف والرقابة وإختيار الأفراد. لقد تعرضت هذه المدرسة في إطار الأفكار والمداخل الجديدة للإدارة العلمية لكثير من الإنتقادات ووصفت بأنها لم تعالج كيفية إجراء التخطيط الإداري والرقابة الإدارية.
وعلى الرغم من نقدها إلا أنها لايزال لها أنصار ومؤيدون، ذلك لأنها السبيل لفهم معاني الإدارة العلمية والإطار الأول لأسس ومبادئ الإدارة.
2) المدرسة التجريبية:
تعتمد هذه المدرسة على نتائج الممارسات الفعلية وفي ظل الظروف الموضوعية، وهي تمتاز بأنها نتائج كل الخبرات السابقة في مجالات التجربة، ويدافع عن هذه المدرسة الذين يؤمنون بأن الإدارة الفعالة لابد أن تشمل الخبرات العملية لرجال الأعمال والإدارة فيما تحقق عملياً من نجاح أو قصور والإستفادة من ذلك، ولاسيما أن كل العوامل الحقيقية المؤثرة من نتائج التجربة هي عوامل وعناصر وأساليب تطورت مع الزمن وصقلت، وهذا بالتأكيد يعكس السلوك الإداري بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
3) المدرسة السلوكية:
توسع العلم توسعاً كبيراً، وإتسعت النظرة الإدارية تبعاً لهذا التوسع وسادت أفكار ومداخل جديدة إهتمت بسيكولوجية ونفسية الإنسان وظروف عمله وبروز دور القيادة وشبكات الإتصالات لمقومات التنظيم الفعال. وعندئذ صارت من الأهمية بمكان في عالم الإدارة ترسيخ العلاقات الإنسانية التي تهتم بالعمل. وساد كذلك التوجه الإنساني في الأداء وفق تقسيم العمل وتسلسل السلطة وهياكل التنظيم والإشراف التي تدعو لها النظرية التقليدية. ومن هنا كان الإهتمام بسلوك الفرد التي تخضع لدراسة الدوافع والعلاقات الفردية والإجتماعية التي لها الأثر الكبير في مستوى الأداء. وتبعا لذلك صار الإهتمام بالفرد كإنسان له مكوناته التي تنعكس على الأداء وتؤثر في مدى الإنسجام وتوحيد الجهود وتسخيرها لتحقيق الأهداف. وقامت هذه المدرسة بتعديلات على ضوء دراسة السلوك الإنساني والنفسي وإفرازاته بين الأفراد داخل التنظيم.
4) مدرسة إتخاذ القرارات:
إستفادت الإدارة من معطيات النظريات والمبادئ الإقتصادية خاصةً تلك التي قامت عليها مدرسة إتخاذ القرارات، مثل مبادئ تعظيم المنفعة والمنحنيات الإقتصادية والمنفعة الحدية والفرصة البديلة ووجود المخاطرة. وهذا ما أدى إلى إتخاذ القرار الرشيد من عدة بدائل هو قلب الإدارة العلمية ولاسيما عند تحديد الهدف المطلوب تحقيقه وكيفية ذلك، ومدرسة إتخاذ القرارات ركزت على عدة قواعد إدارية أهمها قنوات الإتصالات وعناصر تحفيز الأفراد لتحقيق أقصى جهد ممكن بكل الرضاء. وهذا بالطبع شمل الإعتبارات الإنسانية والإجتماعية وظروف العمل وكل المؤثرات الداخلية والخارجية التي تجعل القرار سليماً وقابلاً للتنفيذ ويقود الى الهدف.
أنواع القرارات:
1. قرارات طويلة الأجل.
2. قرارات قصيرة الأجل.
3. قرارات فورية وسريعة وقرارات تحتاج لفكر وروية.
4. قرارات فردية وقرارات جماعية.
5. قرارات إستراتيجية وقرارات خاصة بالأهداف.
6. قرارات تنظيمية وقرارات إدارية.
7. قرارات مبرمجة وقرارات غير مبرمجة:
- قرارات مبرمجة: قرارات تتخذ بشكل روتيني وبشكل متكرر في مواقف معينة.
- قرارات غير مبرمجة: قرارات تتخذ في ظل عدم التأكد وتتحمل مخاطر عالية.
خطوات اتخاذ القرار:
1. تحديد المشكلة (تشخيص المشكلة).
2. جمع المعلومات.
3. طرح البدائل واختيار البديل المناسب.
4. تنفيذ الحل.
5. متابعة تنفيذ الحل.
الأسلوب الجماعي في اتخاذ القرارات:
من أسباب الاعتماد على الأسلوب الجماعي ما يلي:
1. الإبداع, فالمشاركة تؤدي إلي توليد الأفكار وطرح البدائل.
2. الالتزام بالتنفيذ.
3. المعلومات, فرئيس الوحدة لا يملك لوحدة جميع المعلومات في المشكلة فالجماعية في اتخاذ القرار يؤدي إلي توفير كم هائل من المعلومات.
الإيجابيات والمزايا في الأسلوب الجماعي:
التأكيد على مبدأ الشورى.
طرح أكثر من بديل.
القبول (الالتزام بالتنفيذ).
رفع الروح المعنوية.
الوصول إلي قرارات أفضل.
السـلبيات في الأسلوب الجماعي:
استهلاك الوقت.
تستتب المسؤولية.
الهيمنة من قبل بعض الأعضاء.
5) المدرسة الإجتماعية:
بعد أن إستوعبت المدرسة السلوكية تصرفات الأفراد في الإدارة أضاف بعض رواد الفكر الإداري، مثل شنسر وسيمون وهنري وبرناردو، النظرة الإجتماعية للإدارة، وذلك أن الإدارة هي توجيه جهود الأفراد في جماعة لتحقيق هدف محدد، وأضافت هذه المدرسة ضرورة إشباع حاجات الفرد، ومن ضمنها ظروفه الإجتماعية في إطار المسئولية الإجتماعية للمنظمة الإقتصادية، ويمكن القول أن هذه المدرسة أضافت أهمية الظروف الإجتماعية والتي يسبب إهمالها إخفاقاً في الوصول للأهداف المطلوبة.
6) المدرسة الرياضية:
مع إتساع حجم المشروعات ونوع أنشطتها وتشعب نظمها وبعض بيئاتها وزيادة المنافسة عليها أصبحت الإدارة في أداء وظائفها التخطيطية والتنظيمية والتوجيهية والرقابية والتقويمية تحتاج إلى عمليات رياضية وخاصة بعد ظهور المعادلات الرياضية في مجالات التخطيط والتقويم والتقييم واستخدام البرامج الخطية في عمليات الإنتاج ودراسة الزمن والحركة للإنتاج وبحوث العمليات، هذا ما أدى إليه إستخدام الأساليب الرياضية لإختيار البديل الأمثل لكل قرار إداري، وتحقيق إدارة فاعلة.
7) المدرسة التحليلية:
من خلال تطور وتشابك وتداخل العلوم، ظهرت الحاجة إلى التكامل بينها وصولاً إلى ترشيد الأداء، وأصبح القرار قيمة وتكلفة وكذلك الناتج النهائي. وقد إهتمت النظم المحاسبية الحديثة بعنصر التكاليف، وأصبح على الإدارة بجانب ذلك أخذ كل الإعتبارات للتحليل الإقتصادي والمحاسبي وقياس آثارهما على القرار وبالتالي على مستوى الأداء المتمثل في مستوى الإدارة، وعادت أخيراً إلى الإدارة بالمعلومات. بحيث يتم توجيه الأداء عن طريق توفير المعلومات المطلوبة للإنجاز. هذا ما كان من المدرسة التحليلية، وقد عرفنا ما لها وما عليها، خلال السرد الموجز الذي تقـدم.
مدرسة الإدارة بالأهداف:
الفترة الزمنية المعاشة هي التي تحدد مبادئ وتطور الإدارة، وقد إنبثقت مدرسة الإدارة بالأهداف كمرحلة جديدة، وهي مدرسة تركز على عدة مبادئ وأسس إدارية شملت ضرورة تحديد المسؤولية وتفويض السلطات لآداء نظامي أولي، وكان إهتمامها بالقيادات والإشراف بإعتبارهما العنصرين الأساسيين في عكس واقع العمل وإيجابياته وقصوره ومعرفة كيفية معالجته في حينه. وهذا الأسلوب أعطى قدراً كبيراً من الأهمية وحددت مواصفات معينة للقائد والمشرف وإتجاهات المنتجين وظروف العمل توخياً لإنجاز الأعمال وفق تحديد الوظائف وإعداد الموازنات، والهدف من ذلك تقويم التنظيم الإداري وربطه بالواقعية والعقلانية الناجمة عن الممارسة التطبيقية وإمكانية تحقيق الإهداف العامة والخاصة، الجماعية والفردية داخل المنظمة الإقتصادية. وقدمت هذه المدرسة وظيفة الإدارة للسلوك المطلوب الذي يخرجها من الإطار التقليدي إلى إطار الأهداف وذلك لتحقيق الغايات.
9) مدرسة الإدارة بالمعلومات:
إقتضت التحولات البيئية الكبيرة والمتعددة أن يكون الإعتماد والإهتمام إلى حدٍ كبير على المعلومات، ليس فقط من حيث حجمها بل على نوعيتها، وتحسين طرق جمعها وتوزيعها وتحليلها وحفظاها ومعالجتها وتوضيحها وإعادة إستخدامها إلى غير ذلك مما يدخل في نظم المعلومات الإدارية. والتي إعتمدت عليها المدرسة الحديثة وعملياتها وممارساتها وصولاً إلى أفضل مستوى للأداء على جميع مستويات وأقسام المنظمة الإدارية.
10) مدرسة الإدارة بالكفاءة:
لقد ساعد هذا الإتجاه المكثف في الفكر الإداري على إستمرار البحث العلمي لتطوير علم الإدارة وتحديثها تحقيقاً للكفاءة والكفاية الإنتاجية، وفي إطار هذه الغاية نشأت مدرسة الإدارة بالكفاءة، وذلك لتحقيق الكفاءة الإنتاجية، لأنها المقياس لحسن الأداء وهي التي تتحقق من خلالها التنمية الإقتصادية والإجتماعية والرفاهية.
وخلاصة القول أن هذه المدارس إستمر عطاؤها وتطورت في حلقات متماسكة ومتكاملة للوصول إلى تعريف الإدارة الحديثة العلمية المتطورة. وقد تأثرت الإدارة بالسلوك الإنساني ودخول التكنولوجيا الحديثة وإستخدام الآلة بغية زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف، وهذه المدارس هي المراحل الأولى للتطور الطبيعي الذي واكب التطور الزراعي والصناعي، وإتساع السوق وتعدد السلع والآلات والمعدات وطرق التصنيع وبدائل المواد المستخدمة وخلافه.
وهذه المدارس هي التي أدت إلى تطور حقيقي في الإدارة الحديثة، لأنها كانت البداية في حداثة الإدارة، ولأن عن طريق هذه المدراس ظهر علماء وخبراء الإدارة، وإستطاعوا من خلال هذه المدارس أن ينشروا أفكارهم وآراءهم حول هذه الإدارة، وبواسطتهم إنتشر العلم الحديث للإدارة، فأكبر الفضل يرجع لهذه المدارس وعلمائها في تطوير علم الإدارة الحديثة.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا الكتاب, والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.