المبحث الثاني : منظمة الامم المتحدة والمنازعات المتحدة إن أهم هدف لمنظمة الامم المتحدة هو المحافظة على السلم والأمن الدوليين ، وهذا ما نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى من ميثاق المنظمة ، ولتحقيق هذا الهدف فإن المنظمة تتخذ إجراءات فعالة لمنع و إزالة التهديدات الموجهة ضد السلم وفي هذا المجال عملت على إنشاء محكمة عدل دولية لحل المنازعات الدولية بطرق السلمية ووفقا لمبادئ العدل والإنصاف ، ومن الطبيعي ان المحافظة على السلم تستوجب في البداية منع الحروب ، ولما كان الهدف الرئسي لمنظمة الامم هو حفظ الأمن ، فهو ينصرف إلى تحقيق الظروف المؤدية لذلك .كذلك لميثاق يشير إلى الأمن الدولي ، فهو يستبعد الأمن داخل دولة واحدة (حيث لا يجوز للأمم المتحدة أن تدخل في أمور هي من صميم الشؤون الداخلية لأية دولة من الدول) (1) .
إلا إذا بدأت تمتد أثار اضطرابه إلى اكثر من دولة واحدة ويثير منازعات بين جميع الدول .
ونشير هنا إلى ان الاحتلال هدف المحافظة على السلم والأمن الدوليين المرتبة الأول من اهداف المنظمة لدليل قاطع على ان بقية الأهداف كأنما العلاقات الدولية والتعاون الدولي المذكورين – في المبحث الأول من الفصل الثاني- لا تتحقق الا بسيادة السلم والأمن الدوليين في جميع المجالات .
في الميدان السياسي: منحت المنظمة أولوية لهذا الهدف – حفظ السلم والأمن الدوليين – حيث بذلت جهود ا كبيرة لإيقاف هذه الحروب والمنازعات المسلحة في أكثر من ميدان ، وقارة من القارات ، وقد لجأت لاتحقيق هذه الغاية إلى عدد من الأجهزة ، كقوة الطوارئ الدولية و" الاتحاد من أجل السلام " ولجنة مراقبة نزع السلاح ، ووكالة الطاقة الذرية التي ركزت اهتماماتها في موضوع الذرة " لخدمة السلام " وقد أظهر العمل الأهمية البالغة للجهازين الأولين : الجمعية العامة ومجلس الأمن ، في حياة نشاط المنظمة وفي تحقيق ما عهد به إليها وما يقتضيه ذلك من حل المنازعات حلا سلميا وقد عمل ميثاق الامم المتحدة على تكريس فصل خاص لفض المنازعات الدولية بالأساليب والوسائل السلمية ، الا و هو الفصل السادس من الميثاق و المتكون من ست مواد (المواد : 33،34،35،36،37،38 من الميثاق ) حيث حددت الوسائل والأجهزة المتخصصة في حل المنازعات الدولية حلا سلميا .
أولا: مجلس الأمن :ولعل أهم وسيلة تتوفر لدى الامم المتحدة لتحقيق الهدف المذكور هي : تدخل مجلس الأمن (1) والذي نص الميثاق على منحه اختصاصات معينة وتتوفر لديه توعين من الوسائل .
ا- اللجؤ إلى الإجراءات السلمية (الفصل السادس من الميثاق ): نصت المادة 33 على تعداد الاجراءات السلمية التي يجب على أطراف أي نزاع يهدد السلم والأمن الدوليين أن يلجئوا إليها وهي : المفاوضات La négociation والتحقيق L,enquete ، الوساطة La mediation ، التوفيق La cancialaisaion ، والتحكم والتسوية القضائية Les régeements arbitral et judiciaire واللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الاقليمية .كذلك مجلس الأمن لا يستطيع اللجوء إلى الوسائل الآتية : - الطلب من الأطراف تسوية منازعاتهم وفق الوسائل المذكورة في المادة 33- التحقيق (مادة 36) - التوصية بإتباع مسطرة أو طريقة معينة (مادة 36)- تقدير ما يلزم من عمل أو ما يوصي بما يراه ملائما من شروط حل النزاع (المادة 37)) ب)- استخدام سلطة الردع في نظام الأمن الجماعي : (الفصل السابع من الميثاق) : لمجلس الأمن سلطة استعمال لردع إذا كان النزاع واسع بحيث يهدد السلم العالمي مباشرة .وبموجب المادة : (39) فان المجلس يستطيع أن يوصي بل ويقرر أيضا نوعين من الاجراءات النوع الأول : يستبعد استخدام القوة العسكرية والنوع الثاني : ذو طبيعة عسكرية .
إن الاجراءات الحالية من الأوامر العسكرية هي تلك المنصوص عليها في المادة (42) واتخاذ إجراءات القمع التي تتضمن أنواع مختلفة من العمليات العسكرية .كذلك فان مجلس الأمن له اثر بالغ في حالة تقريره وقوع تهديد للسلام أو إخلال به أو عمل من أعمال العدوان وبالتالي يتخذ تدابير تنفيذية لإعادة السلم والأمن إلى نصابها ،فبالإضافة إلى وقت المواصلات والصلات الاقتصادية والدبلوماسية يستخدم القوات الجوية والبحرية إذا دعت الضرورة ..وقد سعت الامم المتحدة منذ زمن بعيد بتشكيل قوة الامم المتحدة ،التي تدعى بفريق القبعات الزرقاء وذلك بمناسبة العدوان على مصر عام 1956(قضية قناة السويس ) وقد شكلت فرق مماثلة بتواريخ لاحقة على بعض الأحداث آخرها الفرق إلى أنزلت في لبنان سنة 1978.ومن المشكلات الفردية التي عرضت على هيئة الامم المتحدة خلال مناقشاتها في الجمعية العامة في مجلس الأمن :مشكلة كوريا : التي نتج عنها تجزئة كوريا إلى دولتين شمالية وجنوبية مشكلة كشمير : النزاع الذي كان على اشده بن الهند والبكستان ثم تجدد النزاع بعد ذلك سنة 1999مشكلة غينيا الجديدة (غرب إيران )، والنزاع حولها بين إندونيسيا وهولندا وانتهت باستقلال إندونيسيا مشكلة قبرص : والنزاع بين القبارصة اليونان القبارصة الأتراك
ثانيا : الجمعية العامة : هي الأحرى لها أثر بالغ في العلاقات الدولية بحكم سلطتها وتمتعها بالمركز الرئيسي بالأمم المتحدة : خاصة قرار رقم 1514 الصادر في 1960 الذي وضع حدا للاستعمار ، وأقر حق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها والتمتع بالحرية الكاملة ، حيث يعتبر فعلا هذا القرار تحولا جذريا للمجتمع الدولي والتغيير في الخريطة الجيوسياسية تطبيقا لمبدأ المساواة في السيادة بين الدول الاعضاء ، وقد انضمت الدول العربية تباعا إلى منظمة الامم المتحدة وذلك بعد نيل كل منها استقلالها لتصبح أعضاء فيها إلى جانب شقيقاتها الدول العربية الاخرى من الاعضاء الأصليين فمثلا اليمن انضمت عام 1947 ، الأردن وليبيا عام1955 المغرب وتونس والسودان انظموا في نوفمبر 1956 وموريتانيا في أكتوبر 1961 ن والجزائر في أكتوبر 1962 ، الكويت في ماي 1963 ، واليمن الديمقراطية في ديسيمبر 1968 ، وفي عام 1968 انظمت أربع دول عربية هي البحرين وقطر (سبتمبر ) وسلطنة عمان (أكتوبر) الإمارات العربية المتحدة (ديسمبر(1)) .وإذ أخذنا بعدد القرارات والتوصيات التي أصدرتها الجمعية العامة منذ إنشائها إلى غاية اليوم وذلك في المسائل المختلفة لمعيار لمدى نشاطها وحيوتها نجدها ناقشت بكل حرية وديمقراطية : المسائل المتعلقة بالصراع بين الدول الكبرى والدول المستضعفة ، واهتمت بتذمر الشعوب المستضعفة وباتساع حركة الثورة المناهضة للاستعمار .حضر السباق نحو التسلح الاستعمار الوحشي ضد اسرائيل هذا الأخير يعرض كل سنة في دورة عادية ، كما تعرض في الدورات الاستثنائية الأولى بتاريخ (28/04/1947 ) إلى غاية (16/04/1948) إلى غاية (14/05/1948) كما عرض في الدورات الاستعجالية الخاصة التي يعقدها مجلس الأمن على الخصوص الدورة الاستعجالية السابعة بتاريخ 22//29 جويلية 1980 والتي لازلت مفتوحة ويمكن أن تعقد في أي وقت كلما دعت الضرورة بالإضافة إلى هذا فإن الجمعية العامة ناقشت في دورات استثنائية مسألة المواد الأولية والتنمية (1974) التي دعت إليها الجزائر .والتنمية والتعاون الاقتصادي الدولي (الدورة 7 عام 1975) ومشكلة استقلال ناميبيا (جنوب إفريقيا سابقا الدورتين الخامسة سنة 1967 والتاسعة سنة 1978) ومسألة نزع السلاح الدورة (10) سنة (1978) ومسألة النظام الاقتصادي الجديد الدورة (11 ) سنة(1980) ومرة أخرى مسألة نزع السلاح الدورة (12) ()(1982) ودورة حول مشكلة المديونية الخارجية (1986)أما المواضيع التي قدمت في الدورات العادية فلا تعد ولا تحصى ، فهي تمتد من المجالات الاقتصادية إلى السياسية إلى القانونية والاجتماعية والثقافية والصحية والبيئية والفضاء إلى غير ذلك من المواضيع ويمكن إعطاء مجموعة من القرارات التي اتخذت بشأن هذه المسائل وهي : الشجب والتنديد بالدعاية شبه الحربية التوقف عن استعمال القوة أو التهديد باستعمال القوة (1949)تحقير ونبذ التدخل في شؤون دولة أخرى من أجل تغيير حكومة شرعية قائمة (1950)
• دعوة الدول إلى تطوير العلاقات التعاونية الأخوية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية (1957)
• تحريم استعمال القوة أو التهديد (1966)تصريح بخصوص تقوية الأمن الدولي وآخر بخصوص مبادئ القانون الدولي (1970)كذلك تبنت الجمعية العامة في 1974 ميثاق الحقوق والواجبات الإقتصادية للدول
• وتبنت في 1977 الإعلان بخصوص تعميق وتعزيز الوفاق الدول ثم تلاه في 1979 تصريح التعبير عن مبادئ من أجل سلم عادل دائم للأجيال الحالية والقادمة في (
مواد ، والإعلان يتعلق بمنع الكوارث الطبيعة (1981 ) وتصريح حول حق الشعوب في السلم (1984) والسؤال المطروح هو : هل لهذه التصريحات قيمة
أليس نفاقا ان تتقيد الدول بهذه القرارات ت على مستوى الامم المتحدة فقط ثم تنتهكها بعد ذلك ؟ لما تلتزم المجموعة الدولية بالتزامات هي التي أقرتها ثم بعد ذلك تتناقض مع هذه الالتزامات ؟ والإجابة على هذه الأسئلة ستكون من خلال المبحث الثالث ، التي نتناول فيه طبيعة القرارات الأممية .
المبحث الثالث : طبيعة القرارات الأممية للإجابة عن السؤال السابق حول طبيعة القرارات الأممية ؟ تجدر الإشارة إلى إعطاء مفهوم للقرار وصور قرارات المنظمات الدولية ثم بعد ذلك نذهب إلى إيجاد طبيعة القرارات التالية :
أولا : تعريف قرارات المنظمة الدولية : القرار يعبر عن إرادة الشخص القانوني الدولي الذي يصدره جهاز تشريعي بالمنظمة .
ثانيا : صور قرارات المنظمة الدولية :التوصية : اعتبرت التوصية من جانب الكبير في الفقه من قبل القرارات التي ليست لها الصلاحيات الذاتية لإنتاج الحقوق أو الالتزامات ، ففي نظر الدكتور الغنيمي هي إرادة تصدر عن المنظمات كنها لا تتضمن معنى الأوامر أو الإلزام بذاتها ، ولكنها تتضمن مجرد نصيحة أو دعوة المنظمة الدولية (1) ويذهب الفقيه السفياتي " تونكين " إلى القول بأن التوصية ليست الا رغبة المنظمة ، معتبرا أن قرارات الجمعية العامة ليست الا توصيات
1- الإعلان : وهو أ حد الوسائل القانونية التي تعبر بها المنظمة عن إرادتها في تأكيد بعض المبادئ الأساسية في شأن من الشؤون الدولية ويتصف بالصفة الإلزامية وتبدو هذه الرؤية مكرسة في بعض الكتابات الدولية المعاصرة .ففي مذكرة أعدها في عام 1962 مكتب الشؤون القانونية بمنظمة الامم المتحدة وقدمها إلى لجنة حقوق الإنسان في الدورة (18) عام 1962 تقول
في ممارسة الامم المتحدة يعني مصطلح " إعلان " صكا رسميا أساسيا لأي يستخدم الا في مناسبات نادرة حتى يراد إعلان مبادئ ذا أهمية بالغة لها صفة الدوام مثل : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان …….الخ )
2- اللائحة : هي الوسيلة التي تعبر بها المنظمة الدولة عن إرادتها القانونية ، تتميز بخصائص فورية وملزمة ومباشرة لمن توجهت إليها بخطابها .فهي تشبه الإعلان من حيث تمتعها بالقوة الإلزامية وتختلف عنه لكونها توجه مباشرة إلى التخصص القانوني المحاطة بها، بينما الإعلان يأخذ صورة عامة ومجردة من حيث توجهه إلى مخاطبة جميع أشخاص القانون الدولي العام ، وعلى ضوء صور القرارات السابقة تأتي إلى محاولة تلمس فغيها مكانة القرارات ت الصادرة عن المنظمات الدولية ، وسبيلنا إلى ذلك هو التحق من مدى توافر عناصر التصرفات المذكورة في القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية باعتبارها شخص من أشخاص القانون الدولي العام .ولكي يكون القرار تصرف قانوني دولي يجب أن تتوافر ثلاث شروط والتي من دونها لا يكون القرار تصرف قانوني دولي ولا يكون له تأثير على مستوى العلاقات الدولية
1- يعبر عن إرادة شخص أو أكثر من شخص يهدف إلى إنشاء حق أو التزامك تعديل أيهما أو إنمائه .
2- أن يكون وفقا للشروط والأوضاع التي يقررها القانون الدولي أما الآثار المترتبة عن القرارات الدولية فتتمثل في إنشاء حق والالتزام به وهذا ما سنراه في القيمة القانونية لقرارات المنظمة الدولية
ثالثا : القيمة القانونية لقرارات المنظمة
1- أنصار الفقه الدولي : لقد اختلف الفقهاء في تحديد القيمة القانونية لقرارات المنظمة الدولية ، ويمكن أن نستنتج وجود مذهبين متعارضين في هذا الصدد:
أ - المذهب الأول : يرى أن عدد كبير من القرارات المنظمة الدولية لها صفة القوة الإلزامية ، فهي تصدر عن أجهزة مزودة كما يقول الأستاذ " بول روايتر " سلطة فرض قواعد عامة ودائمة على الدول الاعضاء ، وتتجه بخطابها بصورة عامة ومجردة وعلى ذلك فأنصار هذا المذهب يعتبرون قرارات المنظمات الدولية مصدرا شكليا مباشرا للقانون الدولي ،.وقد تجلى هذا الموقف في تصريح الناطق الرسمي باسم حكومة مصر السيد " عمرو موسى " فقد ذكر على أن قرار مجلس الأمن 242 عام 1967 قرار ملزم مادام قد صدر بالإجماع عن مجلس الأمن وما دام قد تم تطبيقه من قبل بالفعل على صحراء سينا وأن ما يسري على سيناء بوصفها كانت أرضا محتلة يسري على أرضا محتلة أخرى وهكذا يتجلى قرار المنظمة كمصدر مستقل في نطاق القانون الدولي ، ويترجم هذا الشأن مبادئ و قواعد دولية
ب – المذهب الثاني : ينكر الصفة الإلزامية القانونية على كافة قرارات المنظمات الدولة وخاصة القرارات الصادرة عن الامم المتحدة والموجهة للدول الاعضاء ، ومن ثم فإنه على ضوء هذا المذهب ، فإن كافة قرارات المنظمة أيا كان الشكل الذي تتخذه ، و سواءا كان صدورها بالأغلبية أو الإجماع ، لا تساهم في عملية إرساء قواعد القانون الدولي ، ولا تمثل مصدرا (1) مباشرا لقواعد هذا القانون نجد من هؤلاء " جيرهارد" فإن غلان " الذي كتب يقول : (لا يمكن للإعلانات والقرارات إن القرار الأولى ، معتمدا غي ذلك أن الامم المتحدة تفتقد إلى جهاز تشريعي وأن القرارات التي تصدر من مجلس الأمن لا تكتسي الصفة القانونية باعتباره جهاز سياسي وليس تشرعي )ويستطرد في هذا الشأن قائلا
إن إعلانات الجمعية العامة وقراراتها تضع من حيث الجوهر مقاييس مسلك الدول، وهي إذا وافق عليها إيجابيا عن طريق إبرام الاتفاقيات المرتبطة بها ، فإنها تمثل المرحلة الأولي في خلق قواعد جديدة للقانون الدولي . )وفي رأينا هذا لا يكفي أن تتمتع قرارات المنظمات الدولية بالصفة الإلزامية ما لم تتركز على نية الدول المشتركة في تنفيذها مبدئيا .وأن عدم حسم الفقه الدولي الأمر حول القيمة القانونية لقرارات المنظمة الدولية ، راجع إلى عدم تفريقهم في هذا المجال من القوة الإلزامية للقرارات ومن إمكانية تنفيذها .فالقوة الإلزامية للقرارات تنبع من كونها صادرة عن هيئة دولية مخولة بموجب القانون الدولي رضائي لصلاحية إصدار مثل هذه القرارات ، وأما إمكانية تنفيذها فانه لا يتوقف على المنظمة الدولية الصادرة وفقا لاتفاقية ، وبالتالي تكون قد نفذت التزاماتها المترتبة عليها بموجب هذا الاتفاق ، أو ترفض تنفيذ هذه القرارات ، وذلك تضع نفسها في وضع غير قانوني ، يستتبع تحميلها نوعا من المسؤولية .
2- نظرة القضاء الدولي : القضاء الدولي تناول كذلك قضية القوة الإلزامية لقرارات المنظمات الدولية ، والتي مازلت كما أشرنا موضوع النقاش واسع بين مختلف علماء القانون الدولي .
ففي الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 1971 حول قضية دولة ناميبيا (جنوب غرب إفريقيا سابقا ) قالت المحكمة بصدد قرار الجمعية العامة المتضمن إلغاء انتداب حكومة جنوب إفريقيا ما يلي : (ليس صحيحا الافتراض بأن الجمعية العامة التي تتمتع مبدئيا بسلطة إصدار توصيات لا يمكنها أن تصدر ، في حالات معينة ، قرارات تدخل ضمن اختصاصها ، لها صفة القرارات الملزمة أو ترتكز على النية في تنفيذها …..الخ) والشيء الهام في هذا الرأي هو أن المحكمة اعتبرت الجمعية العامة ذات صلاحية لإصدار قرارات ملزمة قانونية مما يؤهل هذه السابقة القضائية لكي تكون لصالح المذهب المؤيد لاعتبار قرارات المنظمات الدولية مصدرا مباشرا لقواعد القانون الدولي ، كون المحكمة قد فهمت القرارات على أنها ذات خصائص ملزمة في كافة عناصرها سواء كانت توصية أو لائحة أو إعلان وأنها تتوجه بخطابها بصورة عامة ومجردة أو بمعنى أخر فإنها ترسي قواعد سلوك عامة ومجردة .
رابعا: دور قرارات المنظمات الدولية في إرساء قواعد القانون الدولي.نحن إذ نتخير اصطلاح :" مساهمة القرار " في عملية إرساء القاعدة الدولية ، فإن ذلك نابع عن اعتقادنا أنه يحتضن دورين محتملين يمكن للقرارات أن تقوم بهما في هذا الصدد .
الدور الأول : ويقوم به القرار باعتباره بذاته وسيلة إرساء القاعدة القانونية الدولية وعندئذ ان القرار يصبح هو المصدر الشكلي المباشر للقاعدة القانونية "Source Formelle Derecte" وهنا يرى الدكتور محمد طلعت الغنيمي أن الإرادة الشارعة هي المصدر المنشئ لقواعد القانون الدولي .
الدور الثاني : الذي نتصور أن تلعبه قرارات المنظمات الدولية في هذا الصدد يتمثل في تداخله مع غيره من العناصر الاخرى في تكوين مصدر القاعدة الدولية بمعنى انه لا يعد بذاته المصدر الشكلي المباشر للقاعدة المذكورة ، ولكن يكون - مع غيره من العناصر الاخرى الخارجة عنه- الأداة المعبرة عن الإرادة الشارعة للمنظمة .ونستطيع أن نمثل هذا الدور الثاني بمثلين : أحدهما حالة إسهام القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات الدولية ، والمثل الثاني مستمد من حالة إسهام هذه القرارات في تكوين قاعدة قانونية .
خامسا : الصفة التشريعية لقرارات المنظمات الدولية إن دراسة ما جرى عليه العمل في داخل أجهزة المنظمات الدولية المختلفة تكشف لنا على أن إصلاح التشريع الدولي تنطبق على تلك القرارات إذا ما نظرنا إلى التشريع على أنه " تصرف صادر من جانب واحد لجهاز مختص بإرساء القواعد القانونية الملزمة بالمنظمة " وقد أ كد الدكتور عمر سعد الله هذا بقوله :" إن المتأمل في المنظمات الدولية اليوم ، يكشف أنها تعبر بحق عن كونها هيئة تشريعية دولية ومكان للتداول " ودورها هذا يتجلى فيما تحتويه من قواعد قانونية ملزمة ومتممة بالعمومية والتجريد .كذلك فإن الأستاذ " مرقس " يقول : القاعدة القانونية بدون جزاء كالنار التي لا تحرق .أنها حقيقة نلاحظها حتى في القواعد الدولية ، وحتى يطبق القرار يجب أن يقترن بعنصر الجزاء الذي يترتب عن عدم انصياع المخاطب .بالقاعدة القانونية سواء تمثل في العقاب أو تفويت الفائدة عليه ، باعتبار ان الجزاء كما يقول عنه " دوجي " و" هوريو " ليس الا ردا عن فعل اجتماعي ، فالقاعة القانونية تكون عندما يدرك المجتمع الدولي أو الوطني حاجته إليها ويدرك أن خرقها سيحدث رد فعل اجتماعي أو جزاء .فعنصر الإلزام في هذه القواعد قد يتخذ صورة تحديد ما يمكن تسميته بالحقيقة الشرعية بمعنى أنه يرسي تصورا معينا ، لعلاقة أو مركز قانوني ما يصبح بذلك حجة على الكافة – هذا في الجانب النظري لكن الواقع يثبت عكس ذلك – حيث لا يصلح للمخاطبين بمثل هذا النوع من القواعد أية وسيلة قانونية يستطيعون بواسطتها النيل من ذلك التصور ، دون أن يشوب سلوكهم على هذا التصور عيب عدم الشرعية (1)
ومنه ومما سبق ذكره فإن الفقه لا يزال منقسما على نفسه ازاء هذه المسألة فهناك من يعتبر أن القرارات الصادرة عن الامم المتحدة تتمتع – بناء على نصوص الميثاق – بقوة ملزمة في مواجهة الدول الاعضاء لا تختلف من حيث طبيعتها القانونية عن الاتفاقية الدولية المتعددة الأطراف ، فالقرارات في نظر رجال القانون ذات طبيعة إتفاقية في جوهرها .بينما ينكر آخرون النص الصريح للقرارات في المادة - 138 - من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، وقد جاء مقصودا ، فالمادة في رأيهم قد عددت مصادر القواعد القانونية التي تحكم المنازعات الدولية ذات الطبيعة القانونية وتطبق بواسطة الأجهزة ذات الطابع القضائي .
أما قرارات المنظمات الدولية فهي مصدر - في الغالبية - من أجهزة سياسية كما أنها تتوافر – في أغلب الأحوال – على حل النزاعات ذات الطابع السياسي ، ولهذا ينعون على القانون الدولي على انه يفتقد إلى السلطة التشريعية المنظمة والقادرة على سن تشريعات ملزمة .
سادسا : أهمية القرارات الدولية : إن أهمية القرارات الأممية في الواقع العملي ، حيث يثور التساؤل حول طائفة من الأعمال القانونية التي تقرر حالة واقعية معينة وبحيث يترتب على صدورها بعض النتائج وهي ما يمكن تسميتها " الأعمال الكاشفة " Actes dèclaraiores " ومثالها صدور قرار مجلس الأمن بوجود حالة من حالات الإخلال بالأمن والسلم الدوليين نتيجة لتصرف دولة معينة ، أو صدور قرار من الجمعية العامة ففي حالة وجود إخلال من جانب دولة ما بالتزاماتها المقررة في المعاهدة المنشئة لهذه المنظمات … في مثل هذه الأحوال وما شابهها – أيمكن القول بأن مثل تلك القرارات لا يترتب عليها أي تصرف قانوني ..؟ لا شك أن مثل هذه الأعمال الكاشفة قد يترتب عليها آ ثار قانونية ، فمثلا قد يترتب على قرار مجلس الأمن الذي يكشف على حالة من حالات تهديد الأمن والسلم الدوليين نتيجة لسلوك دولة ما ، توقيع الجزاء المنصوص عليه في الميثاق على هذه الأخيرة ، بل قد يكون صدور القرار الكاشف عن حالات الإخلال بالسلم الدولي شرطا أساسيا لتوقيع الجزاء ، وبالتالي يترتب عليه آثار قانونية معينة- وطبقا لهذا المعيار – فغن مجلس الأمن قد تبنى القرار رقم 687 الصادر 17/01/1991 الذي يكشف عن حالة من حالات تهديد الأمن والسلم الدوليين نتيجة للسلوك الذي اتخذه العراق ضد دولة الكويت ، وبالتالي وضع القرار موضع التنفيذ ، ويكون مجلس الأمن قد حقق أكبر نجاح في حرب الخليج حيث أصدر (15) قرار ضد العراق ونفذها كاملة وبسرعة لا يتصورها العقل ، ولكن في مقابل ذلك فشل في تطبيق أي قرار ضد إسرائيل والصرب وجرائمها ضد الشعبين المسلمين الفلسطيني والبوسني .
فكيف يمكن تقيم المجلس في هاتين الحالتين المتناقضتين ؟ وهل أن مجلس الامن أمام مبدأ الكيل بمكيلين ؟ وماذا يبقى من مصداقية لهذا الجهاز الدولي ؟
وكذلك بالنسبة إلى الامم المتحدة ومبدأ تقرير المصير كمثال :
دراسة حالة : الامم المتحدة ومبدأ تقرير المصير على ضوء الأفكار السابقة نأتي إلى حالة نلمس فيها مكانة القرارات الأممية من التصرفات القانونية الدولية مثل : القرار واللائحة " الشهيرة " رقم 1514 الصادرة بتاريخ 14/12/1960 والقاضي بمبدأ تقرير المصير ، فقد أقر الميثاق في المادة الأولي الفقرة الثانية على انه من بين مقاصد هذه المنظمة الدولية العالمية هو إنهاء العلاقات الودية بين الامم على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها ، وهذا القرار يشمل كافة الشعوب والدول التي لم تحصل على استقلالها بعد ، وختمت محكمة العدل الدولية بينها بالإشارة إلى أن الخمس عشر سنة الأخيرة قد شهدت تطورا كبيرا في هذا الميدان وهكذا نلاحظ أن الامم المتحدة قد جعلت مبدا تقرير المصير فكرة راسخة ، واحدا من العناصر السياسية للحفاظ على السلام والأمن العالميين ، وحقا معترفا به دوليين ، والاهم من ذلك هو ان حق تقرير المصير يعتبر من الحقوق الإنسانية ، فقد ورد النص عليه في المادة الأولى من الاتفاقيتين الدولتين الخاصتين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللتين أقرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المؤرخ في 16/12/1966 إذ جاء فيه : " انه لجميع الشعوب تحقيق المصير ، وطبقا لهذا الحق تقرر الشعوب وضعها إلى\سياسي بحرية " ، وقد عارضت الدول الاستعمارية إدراج هذا المبدأ في الإعلانات والقرارات التي تصدرها الامم المتحدة بشأن تقرير مصيرها ، كما ان بعض رجال القانون رفضوا الصفة القانونية للمبدأ وهذا على الرغم من تأكيد الميثاق عليه ، وكذا القرارات غير الحجج التي قدموها تتعلق أساسيا ان نصوص الميثاق المتعلقة بحق تقرير المصير يشوبها الغموض وعدم التحديد والدقة ، كما أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ملزمة ، وبالمقابل فإن باحثين آخرين مثل : " جورج أبو صعب " يعتبر أن إعلان عام 1970 وهو صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم 2625 الدورة 25 المؤرخ في 24/10/1970 وهو الذي يعتبر في مضمونه العام انه جاء مفسرا لميثاق الامم المتحدة ، وبعني هذا أن الرأي القائل بأن حق تقرير المصير لا يكتسي الصفة القانونية أمرا باطلا ، كما أن الإعلان يشير صراحة أن " جميع الشعوب لها الحق في تقرير مركزها السياسي بكل حرية ودون تدخل خارجي " والى جانب هذا فإن الإعلان منع صراحة اللجؤ إلى أي تدابير من التدابير القمع من شأنه حرمان الشعوب من حقها تقرير مصيرها بنفسها ، كما دعا أيضا الدول المستقلة إلى تشجيع الشعوب التي لم تنل استقلالها .إذن وحسب ما سبق ذكره فأن حق الشعوب في تقرير مصيرها مضمون على الصعيد الدولي وذلك حسب القرار الشهير 1514 .وبالتالي السؤال المطروح هو : ما مدى تبني الامم المتحدة لهذا القرار على قضية الصحراء الغربية و قضية فلسطين التين مازلت لم تجد حلا لحد اليوم ؟مضمون اللائحة 1514 (د 15) و أثرها على القضية الصحراوية :كانت أول لائحة تتخذها الجمعية العامة عن طريق لجنة تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية 16 أكتوبر 1964 وفيها تطالب المنظمة إسبانيا باعتبارها قوة مديرة أن تتخذ التدابير العاجلة اللازمة للتطبيق الكامل و اللامشروط للقرار المتعلق بمنح الاستقلال للشعوب المستعمرة حسب ما حدده القرار الشهير 1514 (د 15) وعليه فان بداية دخول قضية الصحراء الغربية صاحبه وضعا دوليا متميزا بتنامي حضور حركات التحرير في نقاط عديدة من العالم كما أن حصول العديد كمن المناطق التي ترزخ تحت الاحتلال على الاستقلال ن وقد كان عاملا مساعدا في دعم المنظمة للقضية الصحراوية ، ولكن وفق تطورات أخرى فان مراقبة قرارات المنظمة في هذا المجل تعكس وضعا إقليميا معينا أي انه في فترة الحل المتناقض وغير الملح لكل الأطراف المعينة كإسبانيا والمغرب وموريتانيا ، كانت قرارات الجمعية العامة تصب في إطار الجمعية العامة ، نذكر منها :* قرار 2072 – 16/12/1865* قرار 2229 – 20/12/1966* قرار 2428 – 18/12/1968 * قرار 2591 – 16/12/1969* قرار 2711 – 14/12/1970* قرار 2983 – 14/12/1972* قرار 3292 – 13/12/1974هذه القرارات أثبتت فشلها في حل القضية الصحراوية .كما يمكنا الإشارة إلى عجز القرارين 377 (1975) و380 (1975) الصادرين عن مجلس الأمن عن تبرير اتفاقية مدريد التي دعا إليها مجلس الأمن لتسوية النزاع تسوية سلمية .ومجل القول حول هذا الاتفاق الأخير – اتفاق مدريد انه جاء مخالفا لروح القانون الدولي كما يعد خرقا واضحا لمبادئ الامم المتحدة في مجال تصفية الاستعمار (1) من جهة ، ومن جهة ثانية فهو عمل ينكث الوعود الإسبانية السابقة في مجال تصفية الاستعمار من الإقليم ، كما يكشف النوايا السيئة للدول القائمة بالإدارة (إسبانيا ) في مجال تنظيم استفتاء تقرير المصير التي كانت تدعمه ،واما بالنسبة إلى المغرب فقد كرس الاتفاق رغبتها في تنفيذ مشاريعها التوسعية التي احتلتها طوال حقب زمنية عميقة وبالتالي تردد المم المتحدة في حل قضية الصحراء الغربية أثر بشكل كبير من مسار تطبيق خطة السلام المتعلقة بتصفية الاستعمار من هذا الجزء من القارة الإفريقية ، وقد كان تجاوب المنظمة العالمية مع تلك الأحداث محتشما إن لم نقل سلبيا ، بحث ظلت تكرر نفس المضامين السابقة في سلوكاتها اتجاه حل القضية الصحراوية وما ينطبق على هذه القضية ينطبق على القضية الفلسطينية التي ظلت تحت سياسة الليكود الإسرائيلي ومبادئ هيمنة أمريكية وحدث كل هذا …؟! أما صمت منظمة الامم المتحدة وكذا مجلس الأمن والجمعية العامة .
المبحث الرابع : تقييم دور منظمة الامم المتحدة : بعد تعرضنا لمختلف الأجهزة الرئيسية لمنظمة الامم المتحدة وتعرفنا على الصلاحيات التي تتمتع بها كل جهاز والوسائل القانونية والغير قانونية التي زود بها من اجل القيام بالوظائف المخولة لكل جهاز وتجسيد كل ما منح له في شكل اختصاصات وصلاحيات يتعين علينا قول كلمة موجزة حول مدى نجاح أو فشل المنظمة الأممية في القيان بمهامها وتحقيق ما تصبو إليه البشرية .وانطلاقا من ميثاق الأمم المتحدة وخاصة الديباجة المعولة كثيرا على هذه المنظمة لترفع عنها الظلم والبأس ومعاناة الحروب ، وما يترتب عنها من مشاكل اقتصادية واجتماعية وغيرها .ولكن السؤال المطروح : كيف يتم تقييم الامم المتحدة ؟ هل سنعتمد في تقييمنا على المقاصد والأغراض التي أنشأت من أجلها دون ربط ذلك بالظروف التي تعمل فيها ؟ أم سنعمد على الأهداف في ضوء الصلاحيات التي منحت للمنظمة ؟ وهل من المستحسن أن يكون التقييم جزئي " كل جهاز على حدى " [ تقييم الامم المتحدة كنظام أو مؤسسة كاملة متكاملة فيما بينها ]. كما حدث لتقييم عصبة الامم ؟ . لا شك وان هذه الأسئلة تعني وجود عدة معايير لتقييم الامم المتحدة ولا يمكن لأي معيار ادعاء الكمالية والصواب المطلق ، لان كل معيار محكوم بخلفيات معينة وبشروط محددة ، ولذا فالتقييم يجب ان ينطلق من فرضية أساسية مفادها ان كل تقييم هو نسبي ، ونسبة كل تقييم محكوم بواقعية الشخص وبتصوره للمنظمة والأهداف التي قامت من اجل تحقيقها والجهود التي بذلتها من اجل ذلك وكيفية تسخيرها للوسائل القانونية المادية والمؤسساتية لتحقيق عملها ، وهذا يدفعا للقول بوجود اتجاهين أساسيين في تقييم المنظمة العالمية .
1- الاتجاه الواقعي : والذي يرى ان المنظمة قد قامت بعملها ولو بصورة غير كاملة وبالتالي فإنها نجحت اكثر مما فشلت خاصة وأنها لعبت دورا كبيرا من التخفيف من حدة التوتر بين العملاقين (الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا ) وساهمت في حل العديد من المعضلات ، ولكن في منع وقوع الحروب بين الدول .
2- الاتجاه المثالي : فهو يرى أن المنظمة فشلت اكثر مما نجحت سواء في مهمة حفظ السلام والأمن الدوليين ، أو مهمة تحقيق التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول ، على الأقل التقليل من التفاوت الكبير في المستوى المعيشي بين الدول .إذا كان أصحاب الاتجاه الأول ينتمون إلى حد كبير إلى العالم الغربي الذي كان له الدور في إنشاء المنظمة الأممية وبالتالي فهو يشعر اليوم في الدفاع عنها وعن بقائها ، وعلى عكس أصحاب الاتجاه الثاني الذين ينتمون في معظمهم إلى العالم الثالث والذين يرون أن معظم الحروب التي حدثت خلال منتصف قرن تقريبا من شاء الامم المتحدة كانت في مناطق العالم الثالث ، وان الفجوة الاقتصادية والتخلف العميق إنما يعاني منه شعوب العالم الثالث ، بل ان الاستعمار الجديد هو من تشجيع المنظمة العالمية وأجهزتها .طبعا ليس من السهل التقريب من هاتين النظريتين ولكن سنحاول أن نكون موضوعيين في طرح تقييم نراه ظروري ومعتدل للمنظمة الدولية آخذين بعين الاعتبار مجموعة من العوامل مثل ظروف عمل الامم المتحدة وصلاحيات هذه المنظمة والوظائف والأغراض التي أنشأت من اجلها ثم الإمكانيات القانونية وغبر القانونية (الأحوال والوسائل ) المزودة بها لتحقيق الأغراض وممارسة صلاحياتها .
أولا : من حيث الظروف التي تواجدت فيها : فبالنسبة للظروف التي تواجدت فيها الامم المتحدة وعملت في ظلها فإن ظروف غير عادية ، حيث كانت الحرب الباردة على اشدها بين المعسكرين الشرقي والغربي وكانت الظاهرة الاستعمارية لا تزال مستفعلة ، كما أن الظروف الاقتصادية لم تكن مهيأة تماما.
ثانيا : من حيث الصلاحيات : فقد ذكرنا بأنها كانت صلاحيات واسعة من خاصة صلاحيات الجمعية العامة ومجلس الامم وهي تختلف عن صلاحيات عصبة الامم ، مم جعل البعض يعتقد سبب فشل المنظمة لا يعود هذه المرة إلى ضيق صلاحياتها بل إلى اتساع الصلاحيات وتداخل صلاحيات كل من الجهازين السابقين ، كما أن منظمة الامم المتحدة كما رأينا تتمتع بصلاحية تعديل ميثاق وصلاحية تفسير هذا الميثاق ، وصلاحية إنشاء فروع ، ووضع الأنظمة الداخلية لها لتساعدها على القيام بمهامها ، كما تتميز بصلاحيات ذات الطابع التنفيذي مثل صلاحية إبرام الاتفاقات وصلاحية البحث والدراسة وجمع المعلومات ثم صلاحية إصدار التوصيات واتخاذ القرارات وهي من أهم الصلاحيات على الإطلاق وأنها تعكس مدى التزام المنظمة بتحقيق المقاصد والأغراض التي قمت من اجلها .
ثالثا : من حيث الأغراض والمقاصد التي قامت من أجلها : [أنظر المبحث الثالث ] فإنها تتمثل كما ذكرنا بالدرجة الأولى في المقاصد السياسية كحفظ السلم والأمن الدوليين ومقاصد اقتصادية كتنمية العلاقات الودية بين الدول وتحقيق التعاون الدولي في مختلف المجالات (1) ولعل مختلف الانتقادات تثور بخصوص هذه النقاط واصبح هناك خطأ شائع يقول بأن فشل منظمة الامم المتحدة لا يكمن في نصوصها ولكن في غياب الجزاءات أو عدم فعاليتها من جهة وغياب رضا الدول واحترامها للمنظمة ولقواعد القانون الدولي من جهة ثانية .ونظرا لغياب أو ضعف الجزاءات فان الامم المتحدة لا تستغني عن الرأي العام الذي قامت عليه عصبة الامم من قبل ولكن هذه المرة مدعما ببعض المؤسسات والوسائل القانونية مثل مؤسسة الدفاع الدولي أو مؤسسة الأمن الجماعي و مؤسسة الوقاية الدبلوماسية .ومع كل هذا فإن ملزمين أدبيا بالتصريحات المختلفة للأشخاص الذين كان لهم الشرف الكبير في توليه منصب رئاسة وادارة الامم المتحدة لنقف على بغض الحقائق التي كثيرا ما نجهلها باعتبارنا بعيدين عن الساحة الدولية ، فهذا الجنرال " تريغاف لي " أول سكرتير عام للأمم المتحدة ، في أول تقرير سنوي حول عمل المنظمة يصرح عام 1946 عن عدم رضاه عن المنظمة والرأي العام الدولي : " إن الرأي العام لم يمس بعد إلى الدرجة التي يؤجل فيها وذلك يعود جزئيا إلى سبب وجود بطئ حتمي في عمل علاقات ما بين الحكومة في الامم المتحدة " (2) أما السيد : ديكويلار الأمين الأسبق للمنظمة ، فقد اشتكى من مؤسسته تنفيذ القرارات قائلا :" ان تزايد ظاهرة عدم تنفيذ القرارات قد خفضت الجدية التي بواسطتها تأخذ الحكومات والرأي العام بقرارات الامم المتحدة وفي طلبه للحكومات تقيم بحذر كيف تستعمل المنظمة . حذر قائلا بأن الامم المتحدة – الحصان الصبور والمستعد – يجب الا يركب حتى التوقف التام بدون التفكير في العواقب . ويشير الكثير من المختصين إلى بعض الميادين التي حققت فيها الامم المتحدة نجاحات عالمية مثل : حماية حقوق الإنسان و الاهتمام باللاجئتين و حل بعض المنازعات الدولية مثل حل المشكلة الكورية و الكونغو و كمبوديا حديثا و الزائير و الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والمساعدات الدولية : ( كقمة الامم المتحدة الأولى للتنمية في الستينات و الحقبة الثانية للتنمية 1970 ، 1980، 1990) وإنشاء الينكتاد لهذا الغرض والقضاء على الظاهرة الاستعمارية عن طريق قرارها الشهير و الشجاع عام 1960 بوجوب تصفية الاستعمار تصفية كاملة ووجوب تمتع كافة الشعوب فغي تقرير مصيرها دون أي تأخير ، المساهمة في إبرام العديد من الاتفاقيات الهامة مثل اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار 1982 ، وإرساء قواعد النظام الاقتصادي الدولي عن طريق القرارين (3201، 3202) اللذان يتماشى ومتطلبات المتغير الدولية والعمل على تشجيع حوار – شمال جنوب – بالرغم من النجاح النسبي الذي حققته هيئة الامم المتحدة عن طريق قراراتها الأممية إلى أنها فشلت اكثر مما نجحت في معالجة الكثير من القضايا خاصة بعد النمو المطرود لسكان العالم وبروز ظاهرة الأمن الغذائي والتي أصبحت تستعمل كسلاح اخضر ضد دول ضعيفة ، كذلك عجزت في معالجة ظاهرة المديونية التي أصبحت من اكبر المشاكل التي تعاني منها دول العالم الثالث ، والتي تمثل 3/4 سكان العالم ، وغير ممكن الدخول للقرن 21 دون التجند ضد هذا العائق . بالإضافة إلى تزايد أزمة التسلح والتي لم تبقى حكرا بين العملاقين ، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السيوفياتي سابقا بل أصبحت تمتلكه كل من الكوريتين والهند و الباكستان ومعظم الدول الأوربية .وتشير كافة الدلائل في العلاقات السوفياتية الأمريكية بأن حالة – الانفراج الحذر – سوف تبقى مهيمنة حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتيسنة 1989 – اقتصاديا وليس عسكريا – وما دخوله الى كوسوفوا الا يبرر عكس ذلك ، هذا الوضع أدى إلى التوتر والتعاون – وهناك نوعان من القوى تدفع إلى هذا الوضع .* اختلال التوازن في عناصر القوة الشاملة بين الطرفين منذ نهاية السبعينات لصالح الأمريكان خاصة فيما يتعلق بالثورة الصناعية الثالثة المتعلقة بالتكنولوجيا والإلكترون .* الظروف الطبيعية لدى الطرفين والأوضاع الداخلية في أوربا الغربية والمنافسة في كسب الرأي العام ، وكل هذا يجري أمام منظمة الامم المتحدة ولم تتخذ موقفا إيجابيا ازاء هذا التخوف من الخطر خاصة أمام التدخلات الأمريكية (1946-1945) (1) والتدخلات العسكرية السوفياتنية (1944-1979) (2) بل وقفت ولم تتحرك ساكنا ، وبعبارة أخري لا يمكن للمنظمة الأممية ان تنهي هذا التوتر نهائيا بدون تعاون الأطراف الأساسية للتواصل إلى هذه الغاية ، كما ان دول عدم الانحياز ترى بأن السلام غير قابل للتجزئة ، أي انه ليس بالمكان خلق جزر للانفراج ، في حين ان مواطن التوتر لازالت قائمة .و خلال عامي 1979 و1980 ، وسط هذا التوتر وقعت أحداث حاسمة أثرت تأثيرا واضحا على مفهوم الأمن الخليجي من جميع الوجوه ، ولعل أهم هذه الأحداث تتمثل في سقوط نظام الشاه في إيران ، الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتبره أحد دعائم أمن المصالح الغربية في الخليج و خط الدفاع الأول عن المنطقة ضد الاتحاد السوفياتي ، كما تتمثل أهم هذه الأحداث في الغزو السوفياتي لأفغانستان في ديسمبر 1979 .وحرب بين ايران والعراق التي اشتعلت في سبتمبر1980 (1) . والحرب اليوغسلافية بين الصرب والمسلمين الألبان 1999 ، ومن خلال عرضنا إلى مختلف هذه المنازعات التي أدت إلى حدوث بؤر توتر من شأنها تؤثر على السلم والأمن الدوليين وبالتالي فان مجلس الأمن من هذه الناحية قد تقلص . كذلك تشير الإحصائيات إلى وجود ظاهرة الضعف في نشاط محكمة العدل الدولية في مجال تسوية المنازعات الدولية . فقد لوحظ انه من خلال حياة 30 عاما من حياة المحكمة (1945-1975) لم تنتظر الا ب60 قضية ، كما لوحظ نشاط المحكمة خلال السنوات الأخيرة قد تقلص ، ففي عام 1976 نظرت القضية في قضية واحدة فقط ، ولعل هذه الظاهرة تعيق من نشاط هذه المؤسسة القضائية الوحيدة للأمم المتحدة .وتبقى لنا أخر قضية والتي تعتبر قضية أمة بأكملها فقد كان شعبها قرابة نصف قرن منذ 1948 أي بعد انتهاء الانتداب البريطاني وهي " القضية الفلسطينية " والتي لم تجد لها حلا سلميا لحد الآن وما نتج عنها من مجازر فضيعة ضد الشعب الفلسطيني من طرف القوات الإسرائيلية وهي من قضايا الساعة لذلك نشير إليها باهتمام ونعتبرها كبرهان قوي المساعي الدولية خاصة من طرف هذه الهيئة الأممية ، وما تعانيه من النشاطات الغير شرعية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ، هذه الأخيرة هي التي تبنت إسرائيل منذ ولادتها ، بعد ان أشرفت على عملية الولادة واحتضنتها ثم رعتها وتعهدها منذ ذلك الحين والى يومنا هذا بالمهيبات والمنح والمساعدات والتأييد المادي و المعنوي، فهي لا ترضي بأي اجراء يمس ما تدعوه " سيادة إسرائيل " من قريب أو من بعيد ، كأجراس تعيين القيم ، كما نسجل فشل الجهاز الذي أملاك اللاجئين ، وهي لا تريد في الوقت نفسه ، المساس بلجنة التوفيق الحالية وتشكيلها ، لأنها تعتقد أنها الطريقة المثلى لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه ، وهي تصفية قضية اللاجئين مع مرور الزمن وتقادمه ، بعد أن أثبتت فشلها في تحقيق أي تقدم في سبيل حل القضية عن طريق تنفيذ قرارات الامم المتحدة طيلة 14 سنة الماضية ، وهي تأمل أن يؤدي المد في عمر اللجنة عاما أخر إلى اكتساب الوقت ، فلعله يساعد في تصفية قضية اللاجئين عن طريق تحقيق بعض أهدافها في المنطقة ، دون المساس بإسرائيل ، أو كيانها ، فترفع عن كاهلها عبئا تشعر هي بفداحته وثقله ، كما ان الولايات المتحدة الأمريكية فهي تريد أن يستمر الوضع على حاله ومن جهة أخرى فإن دولة إسرائيل تقف على عرقلة مسار السلام في إنهاء القضية الفلسطينية . فينفس الوقت تزيد من حدة التوترات التي تعمل على إثارة الرأي العام العربي و الاسلامي ، خاصة الإعلان المسبق الذي سيتولاه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والذي يتمثل في إعلان قيام دولة فلسطين في 4 ماي 1999 الجاري قرار الإعلان هذا لا تريده إسرائيل وخاصة تصريح وزير خارجية إسرائيل " بن يامين نتن ياهو " .